باب: بدأ الإسلام غريبا3
سنن ابن ماجه
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص
عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء". قال: قيل: ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل (1)
واجَهَ الإسلامُ في بِداياتِه صُعوباتٍ وشَدائدَ، وهذا شأنُ الدِّينِ الحَقِّ. وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ الإسلامَ بدَأَ غريبًا" حيثُ خرَجَ وَسْطَ الجَهلِ، وطرَحَ عاداتِ الجاهليَّةِ، فاسْتَغرَبَه النَّاسُ، "وسيَعودُ كما بدَأَ"؛ حيثُ انتِشارُ الجَهلِ، ورُجوعُ النَّاسِ إلى عاداتِ الجاهليَّةِ؛ وابتعادُ الناسِ عَنِ الدَّينِ؛ "فطُوبى للغُرباءِ"، أي: فالجنَّةُ لأولئك المُسلِمين الَّذين قَلُّوا في أوَّلِ الإسلامِ، وسيَقِلُّون في آخرِهِ، وإنَّما خصَّهم؛ لِصَبْرِهم على أذِيَّةِ الكُفَّارِ وأهْلِ الابتداعِ، "قيل : ومَنِ الغرباء؟" أي: عرِّفْنا بِهم وبِصِفاتِهم "قال: النُّزَّاعُ مِنَ القَبائلِ"، أراد بذلك المُهاجرين الَّذين هَجَروا أوطانَهم إلى اللهِ، ويَكونونُ على الدِّينِ الحَقِّ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، ويَسيرون على ذلك بعدَ أنْ أفسَدَ النَّاسُ السُّننَ والشَّرائعَ وبدَّلوها، وسُمِّيَ الغريبُ نازعًا ونَزيعًا؛ لأنَّه نزَعَ عن أهْلِه وعَشيرَتِه وبَعُدَ عنهم، وفي رواية: "قالوا: يا رسولَ اللهِ، ومَن الغُرباءُ؟ قال: الَّذين يُصلِحون عندَ فَسادِ النَّاسِ"، أي: يكونونَ على الدِّينِ الحقِّ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، ويَسيرون على ذلك بعدَ أنْ أفسَدَ النَّاسُ السُّننَ والشَّرائعَ وبدَّلُوها، وهذا مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ فإنَّ الدِّينَ قدْ رَقَّ في قُلوبِ النَّاسِ ويَبتعِدون عنه كلَّما مَرَّ الزَّمانُ.
وفي الحديث: بيانُ حُسنِ جَزاءِ مَن صَبرَ عند الابتلاءِ والشِّدةِ، والفتنةِ في الدِّينِ.
وفيه: أنَّ على المؤمنِ أنْ يُوطِّنَ نفْسَه على الصَّلاحِ إذا انتشرَ الفسادُ ولا يَضيرُه فسادُ الناسِ .