باب: لا طاعة في معصية الله3
سنن ابن ماجه
حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا يحيى بن سليم (ح)
وحدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، قالا: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه
عن جده عبد الله بن مسعود، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها" فقلت: يا رسول الله، إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: "تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله"
أوجَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم طاعَةَ وُلاةِ الأُمورِ مِن الخُلفاءِ والأُمراءِ ما داموا على طاعَةِ اللهِ ورسولِه، أمَّا إذا أَمَروا بما يُخالِفُ الشَّرْعَ الحَكيمَ فلا طاعَةَ لهم في ذلك معَ طاعتِهم في الأمورِ العامَّةِ وعدَمِ شقِّ صفِّ المسلِمين.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "سَيَلي أمورَكم بَعدي رِجالٌ"، أي: سيَكونُ على النَّاسِ خُلَفاءُ وأمَراءُ بعد مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وفي آخرِ الزَّمانِ، "يُطْفِئون السُّنَّةَ"، أي: لا يَعمَلون بها، ويُحارِبونها، "ويَعمَلون بالبِدْعةِ"، أي: ويَعمَلون بأُمورٍ مُستَحدَثةٍ ليسَتْ مِن الدِّينِ، "يُؤخِّرون الصَّلاةَ عن مَواقيتِها"، أي: عن أوَّلِ وَقْتِها، أو يَجمَعون أكثرَ مِن صَلاةٍ، قال ابنُ مَسْعودٍ رَضي اللهُ عنه: "فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ أدرَكْتُهم، كيف أفعَلُ؟"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَسأَلُني يا ابنَ أمِّ عَبدٍ: كيف تَفعَلُ؟ لا طاعَةَ لِمن عَصى اللهَ"، أي: لا تُطيعوا مَن عَصى اللهَ في أوامِرِه ونَواهيه، فإذا أمَرَ الإمامُ بمَعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعَةَ، وتَحرُمُ طاعَتُه على مَن قَدَر على الامتِناعِ؛ وهذا تَقييدٌ لِمَا أُطلِق في الأحاديثِ المطْلَقَةِ القاضِيةِ بطاعَةِ أُولي الأمْرِ على العُمومِ، والقاضيةِ بالصَّبرِ على ما يقَعُ مِن الأميرِ ممَّا يُكرَهُ، والوَعيدِ على مُفارَقةِ الجَماعةِ، والمرادُ بقوْلِه: "لا طاعَةَ لِمن عَصى اللهَ": نَفيُ الحَقيقةِ الشَّرعيَّةِ لا الوُجوديَّةِ، بحيثُ تكونُ الطَّاعةُ في المعروفِ، والمرادُ بالمعروفِ: ما كان مِن الأُمورِ المعروفَةِ في الشَّرعِ لا المعروفَةِ في العَقلِ أو العادَةِ.
وفي الحديثِ: علَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ حيث أَخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بما سيَكونُ بعدَه مِن تحوُّلِ الأُمراءِ عن طَريقِ الحقِّ، وتغييرِ السُّننِ، وإحداثِ البِدَعِ، وقد وقَعَ ما أخبَرَ به.