باب تأخير رمي الجمار من عذر2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مالك بن أنس (ح)
وحدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم
عن أبيه، قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة، أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما -قال مالك: ظننت أنه قال: في الأول منهما- ثم يرمون. يوم النفر (3)
لقدْ يَسرَّ الإسلامُ على النَّاسِ حَياتَهم، وحَفِظَ لهم مَصالِحَهم، مع الحِرْصِ على أن يُؤدُّوا عِبادتَهم على أتَمِّ وجهٍ، من أداءِ الواجباتِ والأركانِ الأساسيَّةِ، والتَّجوُّزِ في بُعضِ السُّننِ لعُذرٍ؛ حتَّى لا يَبقى لأحدٍ عُذرٌ عن أداءِ فَرائضِه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عاصِمُ بنُ عَديٍّ رَضِي اللهُ عنه: "رخَّص"، أي: أباحَ وأجازَ "رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لرِعاءِ الإبِلِ"، أي: للَّذين يَرْعَون الإبِلَ، "في البَيتوتَةِ"، أي: أباح لهم تَرْكَ المبيتِ ليالِيَ أيَّامِ التَّشريقِ بمِنًى، "أن يَرْموا"، أي: الجَمرةَ، "يَومَ النَّحرِ"، أي: في اليومِ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، "ثمَّ يَجمَعوا رمْيَ يومَين بعدَ يومِ النَّحرِ، فيَرمونه في أحَدِهما"، أي: إنَّهم إذا ترَكوا المبيتَ لِيَومينِ مِن أيَّامِ التَّشريقِ جمَعوهما في الرَّمْيِ عِندَ رُجوعِهم وذَهابِهم لمِنًى في أحَدِ الأيَّامِ الثَّلاثةِ.
قال مالكٌ: "ظنَنتُ أنَّه قال"، يقصِدُ: عبدَ اللهِ بنَ أبي بكرٍ، أحَدَ رواةِ الحَديثِ: "في الأوَّلِ مِنهما"، أي: في اليومِ الأوَّلِ مِن اليومينِ: "ثمَّ يَرْمون يومَ النَّفْرِ"، أي: ثمَّ يَجمَعُ أحَدَهما في اليومِ الثَّالثَ عشَرَ، وهو يومُ النَّفْرِ الثَّاني. وفي روايةٍ أخرى عِندَ الإمامِ أحمدَ قال في آخرِ الحديثِ: "قال مالكٌ: ظننتُ أنَّه في الآخِرِ مِنهما"، أي: يكونُ الرَّمْيُ في اليومِ الأخيرِ وليس في الأوَّلِ.
وممَّا أُجيبَ به في دَفْعِ هذا الإشكالِ: أنَّ ما في التِّرمذيِّ وابنِ ماجَهْ "في الأوَّلِ مِنهما" سهوٌ وخَطأٌ مِن بَعضِ الرُّواةِ، والصَّحيحَ ما في مُسنَدِ أحمَدَ "في الآخِرِ مِنهما"؛ لأنَّه مُوافِقٌ لتَفسيرِ الموطَّأِ الصَّريحِ الواضِحِ. وقيل: معناه أنَّهم يَرْمون في الأوَّلِ مِنهما، أي: في الحادي عشَرِ كِسائرِ الحُجَّاجِ، ثمَّ يَرُوحون إلى إبِلِهم في المراعي، ولا يَأْتون اليومَ الثَّانِيَ مِن أيَّامِ التَّشريقِ، أي: اليومَ الثَّالثَ مِن أيَّامِ النَّحرِ، وهو يومُ النَّفْرِ الأوَّلِ، بل يأتون يومَ النَّفْرِ الآخَرِ فيَجمَعون فيه بينَ رميِ يومَين، أي: رميِ اليومِ الثَّاني عشَرَ ورميِ الثَّالثَ عشَرَ، أي: النَّفْرِ الآخرِ.