باب كل مسكر حرام3
سنن ابن ماجه
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق
عن ابن مسعود، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل مسكر حرام" (1
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَنْهى عن بعضِ الأوعيَةِ الَّتي تكونُ سبَبًا في تغيُّرِ ما حُفِظ به، وخاصَّةً إذا كانتْ تُسرِعُ في تحويلِ ما بها مِن أشرِبةٍ إلى خَمرٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نَهى أن يُنْبَذَ"، مِن الانتِباذِ، وهو: نَقْعُ الزَّبيبِ أو التَّمرِ ونَحوِهما في الماءِ حتَّى يتَحلَّلَ ويَحْلَوُ الماءُ ويُشرَبَ، والنَّهيُ جاء في أوعيةٍ بعَينِها؛ وذلك حتَّى لا تُؤثِّرَ المادَّةُ المصنوعُ منها الإناءُ في تَحويلِ الطَّعامِ أو الشَّرابِ إلى خمرٍ، "في الدُّبَّاءِ"، أي: وِعاءِ الدُّبَّاءِ، وهو القَرْعُ إذا يَبِسَ وجفَّ، "والمُزَفَّتِ"، وهو الوِعاءُ أو الآنيَةُ الَّتي طُلِيَت بالزِّفْتِ، "والنَّقِيرِ"، وهو ما يُنْقَرُ ويُجوَّفُ مِن جُذوعِ النَّخلِ، "والحَنْتَمِ"، وهو نوعٌ مِن الأَواني المصنوعةِ مِن الطِّينِ والشَّعرِ والأَدْمِ، "وكلُّ مُسكِرٌ حرامٌ"، أي: وكلُّ شرابٍ يُسكِرُ العقلَ ويُذهِبُه فهو حرامٌ.
وقد ثبَت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ما يَنسَخُ النَّهيَ الحاصِلَ في استِخْدامِ الأوعيةِ المشارِ إليها؛ ففي صحيحِ مُسلِمٍ عن بُرَيدةَ الأَسْلَميِّ رَضِي اللهُ عَنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نَهيتُكم عن النَّبيذِ إلَّا في سِقاءٍ، فاشرَبوا في الأسقِيَةِ كلِّها، ولا تَشرَبوا مُسكِرًا"؛ فظهَر بذلك أنَّ النَّهيَ لم يَكُنْ واقِعًا على عينِ هذه الأوعيَةِ، وإنَّما على أثَرِها في تَحويلِ الشَّرابِ إلى خَمرٍ، فبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ العِلَّةَ في تحريمِ أيِّ مشروبٍ هي أنْ يَكونَ مُسكِرًا، سواءٌ خُمِّر في هذه الأوعيةِ أو غيرِها.
وفي الحديثِ: مُراعاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِمَصالحِ النَّاسِ في التَّشريعِ، وعدَمُ التَّضييقِ عليهم في الأوعيَةِ.
وفيه: بيانُ علَّةِ التَّحريمِ.