باب ذهاب القرآن والعلم1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد
عن زياد بن لبيد، قال: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا، فقال: "ذاك عند أوان ذهاب العلم" قلت: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم، ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك زياد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟! " (1)
حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَّتَه ممَّا يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ، وما يَشمَلُه مِن فِتَنٍ وعلاماتٍ تُنذِرُ بقِيامِ السَّاعةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ زيادِ بنِ لَبِيدٍ رَضِي اللهُ عنه رَضِي اللهُ عنه: "ذكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم شيئًا"، أي: وفي روايةِ الطَّبرانيِّ: "أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهو يُحدِّثُ أصحابَه"، أي: إنَّه قد قَدِم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وذكَر أمورًا، مِنها قولُه: "ذاك"، أي: هذا الشَّيءُ الْمَخوفُ يقَعُ عِندَ "أوانِ ذَهابِ العِلمِ"، أي: عِندَ وقْتِ اندِراسِه وذَهابِه وقِلَّتِه، قال زيادٌ رَضِي اللهُ عنه: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَذهَبُ العِلمُ، ونَحنُ نقرَأُ القرآنَ ونُقْرِئُه أبناءَنا ويُقرِئُه أبناؤُنا أبناءَهم إلى يومِ القيامَةِ؟!"، أي: يَعجَبُ زِيادٌ رَضِي اللهُ عنه مِن ذَهابِ العِلمِ عندَ المسلِمين والقرآنُ مُستمِرٌّ بينَ النَّاسِ إلى يومِ القيامةِ، كما يدُلُّ عليه قولُه تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ثَكِلَتْك أمُّك"، أي: فقَدَتْك، وليس المرادُ بها الدُّعاءَ عليه، ولكِنَّها مِن كلامِ العرَبِ، واستعمالُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لها لِتَنبيهِه إلى أمرٍ كان ينبَغي أن يَنتبِهَ له ويَعرِفَه، "زِيادُ!"، أي: يا زِيادُ، "إن كُنتُ"، أي: إنَّ الشَّأنَ أنِّي كنتُ "لأُراك"، أي: لأَظُنُّك وأعلَمُك وأعتَبِرُك "مِن أفقَهِ رجُلٍ بالمدينةِ! أوَلَيسَ هذه اليهودُ والنَّصارى يَقرَؤون التَّوراةَ والإنجيلَ"، أي: أتَقولُ هذا الكلامَ معَ عِلمِك بأنَّ اليهودَ والنَّصارى يَقرَؤون التَّوراةَ والإنجيلَ وقد ضَلُّوا وبدَّلوا وحرَّفوا؟! "ولا يَعمَلون بشيءٍ ممَّا فيهِما؟"، أي: فكَما لم تُفِدْهم قِراءتُهما مع عدَمِ العِلمِ بما فيهِما، فكذلك أنتم، فهُم يَقرَؤون غيرَ عالِمين، فالعالِمُ فيهم الَّذي لا يَعمَلُ بعِلْمِه بمنزِلةِ الجاهلِ، بل بمنزِلةِ الحمارِ الَّذي يَحمِلُ أسفارًا، بل أولئك كالأنعامِ بل هم أضَلُّ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ ذَهابَ العِلمِ الشَّرعيِّ، وعدَمَ العمَلِ به.