باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب
بطاقات دعوية
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: إنْ كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيَدعُ العملَ وهوَ يُحبُّ أنْ يَعملَ بهِ؛ خشيةَ أنْ يعملَ به الناسُ، فيُفرضَ عليهمْ، وما [رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -] سبَّح سُبْحةَ الضحى قطُّ، وإني لأُسبِّحُها.
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحيمًا بأُمَّتِه، مُشفِقًا عليهم، وهذا الحديثُ فيه بَيانٌ لكَمالِ شَفقتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَأفتِه بأُمَّتِه؛ فتُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يدَعُ العمَلَ ويَترُكُه؛ خَشيةَ أنْ يَعمَلَ به النَّاسُ، وإنَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَترُكُ إظهارَ العملِ حتَّى لا يُتابِعَه المُسلِمون فيُفرَضَ عليهم، فيَشُقَّ عليهم، ولا يَقدِروا عليه، وقد جاء في الحديثِ المُتَّفَقِ عليه مِن حَديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالَى، أدْوَمُها وإنْ قَلَّ». ويَحتمِلُ أنْ يكونَ معْنى قَولِها: «فيُفْرَضَ عليهم»، فيَعمَلَه الناسُ مُعتقدين أنَّه مَفروضٌ عليهم.
ثمَّ تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُسبِّحْ سُبْحةَ الضُّحى قطُّ، والسُّبحةُ هي صَلاةُ النافلةِ، والمعنى: أنَّه لم يُصَلِّ صَلاةَ الضُّحى قطُّ، ثُمَّ أخبرتْ رَضيَ اللهُ عنها: أنَّها مع ذلِك تُسَبِّحُها، أي: تفْعَلُها، فكانتْ تُصلِّيها وتُحافِظُ عليها، ولعلَّها سمِعتْ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحثَّ عليها، وأنَّه إنَّما ترَكَ المداومةَ عليها خَشيةَ أنْ تُظَنَّ أنَّها واجِبةٌ.
وقد ثَبَتَ في أحاديثَ أُخرى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى الضُّحى، وأَوصَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه بصَلاتِها كما في الصَّحيحَينِ، وأَوصَى أبا الدَّرداءِ بصَلاتِها أيضًا كما في صَحيحِ مُسلمٍ، ويُجمَعُ بيْنَ هذه الأحاديثِ أنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها إنَّما أخبَرَتْ بما تَعلَمُ؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما كان يكونُ عندَ عائِشةَ في وَقتِ الضُّحى إلَّا في نادرٍ مِن الأوقاتِ؛ فإنَّه قد يكونُ في ذلك مُسافرًا، وقد يكونُ حاضرًا ولكنَّه في المسجِدِ، أو في مَوضعٍ آخَرَ، وإذا كان عندَ نِسائِه فإنَّما كان لها يومٌ مِن تِسعةٍ، فيَصِحُّ قَولُها: ما رَأَيتُه يُصلِّيها. أو يُقالُ: نَفْيُها لصَلاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الضُّحى بمعْنى: ما كان يُداوِمُ عليها، فيكونُ نَفْيًا للمُداوَمةِ عليها لا لأصْلِ فِعلِها، وقد روَى مُسلمٌ عنها أنَّها قالت: «كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي الضُّحى أرْبعًا، ويَزيدُ ما شاء اللهُ».
وفي الحديثِ: كَمالُ شَفَقتِه ورَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه.
وفيه: أنَّه إذا تَعارَضَت المَصالحُ، فإنَّه يُقدَّمُ أهمُّها.