باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر

بطاقات دعوية

باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر

 ثم انطلق يمشي، واتبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن، فأذنوا له، فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر، فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر، فنظر إلى وجهه؛ ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قد ثمل، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرجنا معه

الخمر أصل الشرور ومنبعها، وأم الخبائث، حرمها الله سبحانه وتعالى على العباد؛ لأنها تؤدي إلى مفاسد كثيرة، وضررها لا يقتصر على شاربها فقط؛ بل يتعدى إلى غيره
وفي هذا الحديث يحكي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كانت له «شارف»، وهي المسنة من الإبل، كانت نصيبه من الغنيمة في يوم بدر، وكان صلى الله عليه وسلم أعطاه ناقة من الخمس الخاص به صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله به عليه، قيل: كان هذا الخمس مما حصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، وكانت في رجب من السنة الثانية من الهجرة، قبل غزوة بدر الكبرى بشهرين، أي: إنه رضي الله عنه كان قد حصل على ناقتين كبيرتين؛ واحدة من نصيبه من الغنائم يوم بدر، والثانية من الخمس الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
فلما أراد علي رضي الله عنه أن يدخل بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، واعد رجلا صواغا -وهو من يعمل في صناعة الحلي من الذهب والفضة- من بني قينقاع، وهم قبيلة من اليهود؛ أن يذهب معه ليأتي بإذخر، وهو نبت طيب الرائحة؛ وذلك ليبيعه إلى الصواغين، ويستعين بثمنه على شراء طعام العرس
فأخبر أنه بيمنا يجمع لناقتيه متاعا من «الأقتاب»، جمع قتب، وهو ما يوضع على ظهر البعير، «والغرائر»، أي: الأكياس، جمع غرارة -بكسر الغين-، وهو ما يوضع فيه الشيء، والناقتان باركتان إلى جنب بيت لرجل من الأنصار، رجع حين جمع ما جمع من الأقتاب، والأكياس، والحبال ونحوها، ففوجئ بناقتيه قد قطعت أسنمتهما، مثنى سنام، وهو ما علا من ظهر البعير، «وبقرت خواصرهما»، أي: شقت بطونهما، وأخذ من أكبادهما، فلم يستطع أن يمنع عينيه عن البكاء، وأخبر علي رضي الله عنه أن من فعل ذلك هو عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأشير له إلى البيت الذي فيه حمزة ومعه جماعة يشربون الخمر، وذلك قبل أن تحرم الخمر تحريما قطعيا، وعنده جارية مغنية تغني له ولأصحابه
وما حدث أن المغنية أثارته في غنائها وهو سكران ببيت من الشعر، فقالت: «ألا يا حمز للشرف النواء»، جمع ناوية، وهي: الناقة السمينة، ومعناه: يا حمزة من للنوق السمان، فانهض إليها، تستدعيه أن ينحرها؛ ليطعم أضيافه من لحمها، فوثب حمزة رضي الله عنه وهو سكران إلى السيف، فقطع أسنمتهما، وشق بطونهما، وأخذ من أكبادهما
فذهب علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه ما حدث، فلما رآه صلى الله عليه وسلم عرف في وجهه أن حادثا شديدا ألم به، فسأله عما به، فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله، ما رأيت أشد وأفظع على نفسي مما وقع اليوم؛ اعتدى حمزة على ناقتي، فقطع أسنمتهما، وشق بطونهما، وهو الآن في بيت معه جماعة يشربون الخمر
فذكر علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب رداءه، فارتداه، والرداء هو ما يلبسه الرجل على الكتفين، خلاف الإزار، وهو ما يلبسه الرجل من وسطه إلى قدميه، ثم انطلق صلى الله عليه وسلم يمشي إلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وسار خلفه علي وزيد بن حارثة رضي الله عنهم، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا لهم، فإذا هم يشربون الخمر، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة رضي الله عنه على ما فعله بناقتي علي، فإذا هو قد اشتد به السكر حتى إنه قد احمرت عيناه، فنظر حمزة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر السكران الغائب عن الوعي، فجعل يصوب نظره أولا إلى ركبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إلى سرته، ثم إلى وجهه، فنظر إليه من الأسفل إلى الأعلى، ثم قال حمزة رضي الله عنه: «هل أنتم إلا عبيد لأبي!»، يعني: عبد المطلب، فعرف صلى الله عليه وسلم أنه في حالة سكر لا يعي ما يقوله، ولا يلام على ما يصدر منه، فعاد وتركه، والقهقرى: المشي إلى خلف، أي: رجع صلى الله عليه وسلم ووجهه تجاه حمزة، وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبث حمزة في حال سكره، فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع من حمزة بمرأى منه؛ ليدفعه إن وقع منه شيء
وفي الحديث: مساوئ الخمر، ومضارها، وما تؤدي إليه من العداوة والبغضاء
وفيه: أن الأسف والأسى على المصيبة في المال قد يبلغ من الرجل الصالح إلى أن يبكي