باب تحريم هدايا العمال
بطاقات دعوية
حديث أبي حميد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عاملا، فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال: يا رسول الله هذا لكم، وهذا أهدي لي فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية، بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلغت
فقال أبو حميد: ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه
الولاية والإمارة من الأمانة التي سيسأل عنها الوالي والأمير؛ فكل من تولى أمرا للمسلمين فإنه مسؤول عنه أمام الله تعالى، ولا ينبغي لمن تولى أمرا أن يستغل هذا الأمر لتحقيق مصلحة خاصة له لم يكن ليحققها إلا بتوليه هذا المنصب
ولذلك لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عاملا ليجمع الزكاة -وكان من الأزد يقال له: ابن اللتبية، كما في الصحيحين- فجاء هذا الرجل إلى المدينة بعد رجوعه من عمله، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم مالا وقال له: «هذا مالكم»، وقال لمال معه: «وهذا أهدي لي»، فقال له صلى الله عليه وسلم منكرا عليه: لو قعدت في بيت أبيك أو بيت أمك، لم يكن ليهدى إليك شيء، وإنما أهدي إليك لأجل العمل الذي تقلدته، ثم قام صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، وخطب الناس يعلمهم ويحذرهم من هذا الفعل، فذكر الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأثنى على الله بما هو أهله وما يستحقه عز وجل من المحامد، فقال: «أما بعد»، وهي كلمة يفصل بها بين الكلامين عند إرادة الانتقال من كلام إلى غيره، والمعنى: أقول بعدما تقدم من التشهد والثناء على الله سبحانه وتعالى: «فما بال العامل نستعمله»، أي: نوليه أمرا كجمع الزكوات، «فيأتينا» بعد انقضاء عمله، وعند محاسبته على ما معه من المال «يقول: هذا من عملكم»، أي: المال الذي طلبتم جمعه بسببه الشرعي، «وهذا أهدي لي؟!» من الناس وليس مما طلبتم جمعه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلما قال للرجل: «أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا؟!» ومعنى ذلك: أنه لولا توليته ذلك العمل لم يهد إليه شيء
ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالله الذي يملك قبض روحه صلى الله عليه وسلم أنه لا يأخذ أحد شيئا من الصدقة بغير حق، إلا أتى يوم القيامة حاملا ما أخذ وسرق منها على عنقه؛ فإن كان ما أخذه بعيرا من الجمال، فإنه يأتي به حاملا إياه على عنقه، ويكون له رغاء، وهو صوت البعير، وإن كانت بقرة جاءت لها خوار، وهو صوت البقر، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، أي: تصيح، واليعار: صوت الغنم
ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء حتى ظهر بياض إبطيه؛ مبالغة في التضرع إلى الله، وإظهارا للغضب الشديد من هذا الفعل، وقال: «فقد بلغت»، يعني: قد بلغتكم حكم الله تعالى
وفي الحديث: محاسبة المؤتمن، ومنع العامل من قبول الهدية ممن له عليه حكم
وفيه: إبطال كل طريق وذريعة يتوصل بها إلى نفع، لم تطب نفس صاحبه به
وفيه: خطبة الإمام في الأمر المهم، والتشهير بخطأ المتأول ليحذر
وفيه: مشروعية قول: «أما بعد» في الخطبة
وفيه: استشهاد الراوي والناقل بقول من يوافقه؛ ليكون أوقع في نفس السامع، وأبلغ في طمأنينته