باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه
بطاقات دعوية
حديث سلمة بن الأكوع، أنه دخل على الحجاج، فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك، تعربت قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو
كان للهجرة إلى المدينة شأن عظيم بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت منزلة المهاجرين عظيمة شريفة؛ فقد تركوا أرضهم وأموالهم لله عز وجل، ومنعوا من العودة إلى ديارهم
وفي هذا الحديث يروي الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع رضي الله عنه -وكان من المهاجرين- أنه دخل على الحجاج بن يوسف لما ولي إمرة الحجاز لعبد الملك بن مروان، بعد قتل ابن الزبير سنة أربع وسبعين من الهجرة، فقال له الحجاج متعجبا: هل «ارتددت على عقبيك»، فتركت هجرتك؟ والعقب: مؤخر القدم، والجملة تستعمل فيمن أتى عكس ما كان عليه، وهل «تعربت»، فتركت مقامك بالمدينة وأقمت مع الأعراب في البادية والصحراء؟ فكانوا يعدون من رجع بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر كالمرتد، أو أن هذا كان من جفاء الحجاج، حيث خاطب هذا الصحابي الجليل بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره، أو أنه أراد قتله، فبين السبب الذي يريد أن يجعله مستحقا للقتل به
فقال سلمة رضي الله عنه: لا، لم أترك هجرتي ولم أتعرب، ولكني كنت استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة في البادية مع الأعراب، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لي
وقد خرج سلمة بن الأكوع رضي الله عنه من المدينة لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين من الهجرة، إلى «الربذة»، وهي قرية بالبادية تقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة النبوية بحوالي 200 كيلومتر، فأقام سلمة هناك طويلا وتزوج وأنجب، ولم يزل سلمة بالبادية حتى نزل المدينة قبل وفاته بأيام، ومات بالمدينة موضع هجرته رضي الله عنه سنة أربع وسبعين على الصحيح، فكانت مدة سكناه بالبادية نحو الأربعين سنة
وفي الحديث: حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على اتباع أوامره واجتناب نواهيه
وفيه: بيان عدم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه إلا من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في العودة
وفيه: بيان صبر سلمة رضي الله عنه، وتحمله ما لقيه من الحجاج من الجرأة عليه، والازدراء به