باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس
بطاقات دعوية
عن موسى بن علي عن أبيه قال قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لئن قلت ذاك (2) إن فيهم لخصالا أربعا إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. (م 8/ 176)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَذكُرُ لأصحابِه بعضَ أحداثِ آخِرِ الزَّمانِ وقبْلَ قيامِ السَّاعةِ، ويَذكُرُ سُبلَ النَّجاةِ منها، وكيْف يَتعامَلُ معها مَن يُدرِكُها مِن المسْلِمين
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجليلُ المُسْتورِدُ بنُ شَدَّادٍ رَضيَ اللهُ عنه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَلامةٍ مِن عَلاماتِ اقترابِ يومِ القيامةِ، فقال: «تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ» عن غيرِهم مِن باقي الأجناسِ والأدْيانِ، والمرادُ بالرُّومِ النَّصارى؛ لأنَّ أهلَ الرُّومِ حينئذٍ نَصارى، وكان عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه حاضرًا وقْتَ أنْ حَدَّث المُسْتورِدُ رَضيَ اللهُ عنه بهذا الحديثِ، فلمَّا سَمِعَ عمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه هذا الحديثَ منَ المُستورِدِ بنِ شَدَّادٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ لَه: «أَبصرْ ما تَقولُ» يُراجِعُه في صِحَّةِ هذا القولِ ونِسبتِه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما هي عادةُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في التَّأكُّدِ مِن صِحَّةِ المَرويَّاتِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى مِن بعضِهم، فلمَّا أكَّد لَه المُستورِدُ أنَّه سَمِعَه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، علَّل عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه سَببَ كَثرَتِهم آخِرَ الزَّمانِ؛ لأنَّ عندهم مِن الخصالِ والصِّفاتِ ما يَستحِقُّون به ذلك، وعدَّد رَضيَ اللهُ عنه خِصالَهم، وهذا مِن بابِ الإنصافِ وليْس مِن بابِ المدْحِ لهم وما هُم عليه مِن عَقيدةٍ، فقال رَضيَ اللهُ عنه فيهم: «أَحلمُ النَّاسِ عندَ فِتنةٍ»، يكونُ فيهم العقلُ والتَّثبيتُ عندَ وُقوعِ الفِتنِ، فيكونونُ أصبَرَ النَّاسِ عندَ حُصولِ شِدَّةٍ ومَهلكةٍ، «وأَسرعُهم إفاقةً» أي: يَعودون لِصوابِ أمرِهم بعْدَ كلِّ مُصيبةٍ في سُرعةٍ ورُشدٍ، «وأَوشكُهم كرَّةً بَعدَ فرَّةٍ»، أي: هُم أسرَعُ النَّاسِ في المُبادَرةِ إلى القِتالِ والرُّجوعِ إلى العدوِّ بعْدَ الهَزيمةِ، وهُم خيرُ النَّاسِ وأرحَمُهم وأشْفَقُهم لِمِسكينٍ ويَتيمٍ وضَعيفٍ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «وخَيرُ النَّاسِ لِمساكينِهم وضُعفائهِم» فيَقومونَ بالإحسانِ إليهمْ، ثمَّ ذكَرَ لهم عَمرٌو رَضيَ اللهُ عنه خَصلةً خامسةً؛ وهي أحسَنُهم وأجْمَلُهم، وهي أنَّهم: أمنَعُ النَّاسِ مِن ظُلمِ مُلوكِهم، أي: أنَّهم يَمنَعون الملوكَ مِن الظُّلمِ، أو أنَّهم يَحمُون النَّاسَ مِن ظُلمِ الملوكِ
قيل: إنَّ كلَّ تلك الأوصافِ الجميلةِ إنَّما كانت غالبةً على الرُّومِ الَّذين أدْرَكَ عَمرٌو زَمانَهم
وفي الحديثِ: أنَّه لا بأْسَ بمَدحِ الأوصافِ الحَسَنةِ وإنْ وُجِدَت في الكفَّارِ، ويَحسُنُ ذِكرُها على سَبيلِ الاعتبارِ، ولِحضِّ المسْلِمين على الأخْذِ بها؛ فإنَّهم أحَقُّ بها وأهْلُها