باب تلقين السارق
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا سعيد بن يحيى، حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن أبي طلحة، قال: سمعت أبا المنذر مولى أبي ذر، يذكر
أن أبا أمية حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بلص، فاعترف اعترافا، ولم يوجد معه المتاع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما إخالك سرقت" قال: بلى. ثم قال: "ما إخالك سرقت" قال: بلى، فأمر به فقطع، قال: "قل: أستغفر الله وأتوب إليه" قال: أستغفر الله وأتوب إليه. قال: "اللهم تب عليه" مرتين
الحدودُ حقُّ اللهِ تعالى، وليس لأحَدٍ العَفْوُ عنها إذا رُفِعَتْ للإمامِ، وقد أَمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ جزاءً بما كَسَبَ نكالًا من اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتِيَ بسارِقٍ قد سَرَقَ شَمْلَةً" والشَّمْلَةُ: نوعٌ مِن الثِّيابِ يَكسُو الجَسَدَ كُلَّهُ، "فقالوا: يا رسولَ اللهِ! إنَّ هذا قد سَرَقَ"، أي: شَهِدوا عليه بالسَّرِقَةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ما إِخالُه سَرَقَ!"، أي: ما أَظُنُّهُ قد سَرَقَ؛ لأنه كَرِهَ أنْ يُصدِّقَه، وهو يَجِدُ السَّبيلَ إلى سَتْرِهِ، وقيل: أنَّه لا يَعْرِفُ مَعْنى السَّرِقَةِ فيَسْتَثْبِتُ منه؛ لأنَّ الحُدودَ تَسْقُطُ إذا وُجِدَتْ فيها شُبْهَةٌ، "فقال السارِقُ: بَلَى يا رسولَ اللهِ!"، أي: أَقَرَّ السارِقُ بسَرِقَتِهِ، "فقال: اذْهَبوا به فاقْطَعوهُ"، أي: اقْطَعوا إحْدى يَدَيْهِ، "ثم احْسِموهُ"، أي: اكْووهُ بالنارِ في مَوضِعِ القَطْعِ؛ لِيَتَوَقَّفَ نَزْفُ الدَّمِ حتى لا يُفْضِيَ إلى هَلاكِهِ، "ثم ائْتوني به، فقُطِعَ"، أي: أُقيمَ عليه الحدُّ بالقَطْعِ، "فأُتِيَ به، فقال: تُبْ إلى اللهِ" وهذا إرشادٌ للسارِقِ بالتَّوْبَةِ من ذَنْبِهِ، وعَدَمِ الرُّجوعِ إليه "فقال: قد تُبْتُ إلى اللهِ"، أي: تُبْتُ تَوْبَةً صادِقَةً فيها النَّدَمُ على السَّرِقَةِ ولا أَعودُ، "قال: تابَ اللهُ عليك"، أي: قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَكَ، وهذه بِشارَةٌ له من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُعِينَهُ على شَيْطانِهِ، فلا يَسْتَزِلُّهُ بذَنْبِه.
وفي الحديثِ: مَشْروعيَّةُ اللُّجوءِ للكَيِّ بالنارِ إذا دَعَتِ الضَّرورةُ للعِلاجِ بها.
وفيه: أنَّ إقامةَ الحدِّ يَثبُتُ بإقرارِ الواقعِ فيه.