باب: جرح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد 2

بطاقات دعوية

باب: جرح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد 2

عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه فجعل يسلت الدم عنه ويقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله تعالى (ليس لك من الأمر شيء). (م 5/ 179

وقَعَت غَزوةُ أُحدٍ بيْنَ المُسلِمين وقُريشٍ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ، وأُحدٌ جبَلٌ مِن جِبالِ المدينةِ، وقدْ قدَّمَ بعضُ الصَّحابةِ في ذلك اليومِ أفضَلَ النَّماذجِ وأرْوعَها؛ فصَبَروا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقاتَلوا حتَّى استُشهِدَ منهم عددٌ كثيرٌ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُصِيبَ في غَزوةِ أُحدٍ، فكُسِرَتْ «رَبَاعِيَتُه» وهي السِّنُّ الَّتي بينَ الثَّنِيَّةِ والنَّابِ، وكانت الرَّبَاعِيَةُ المكسورةُ هي السُّفْلَى مِنَ الجانِبِ الأَيْمَنِ، "وشُجَّ" أي: جُرِح صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَأسِه، فجَعَل "يَسْلتُ" أي: يُزِيلُ الدَّمَ عنه، ويقولُ استِعظامًا واستِعجابًا: «كيف يُفلِحُ» ويَفوزُ بالهِدايةِ «قومٌ شَجُّوا نبيَّهم» في وَجهِه ورَأسِه «وكَسَروا رَبَاعِيَتَه وهو يَدعُوهم إلى الله؟!» والاستفهامُ للإنكارِ المضمَّنِ معنى التَّعجُّبِ، أي: لا يُفلِحون، فأنزَل اللهُ تَعالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، أي: ليس إليكَ مِن إصلاحِهم ولا مِن عذابِهم شيءٌ، وقيل: ليس إليكَ من النصرِ والهزيمةِ شيءٌ؛ فإنَّما هو لِأَجْلِنا وفِينَا ومِن جَرَّانَا، ونحن المُجازُون عليه.
وقدْ ورَدَ في الصَّحيحينِ سَببٌ آخَرُ في نُزولِ هذه الآيةِ؛ فعن ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِع رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا رَفَع رَأْسَه مِن الرُّكوعِ مِن الرَّكعةِ الآخرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وفُلانًا وفُلانًا» بعْدَ ما يقولُ: «سَمِع اللهُ لمَن حَمِده، ربَّنا ولكَ الحمدُ»، فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قولِه: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]».
وفي الحديثِ: سَببُ نزولِ قولِه تَعالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} مِن سُورةِ آلِ عِمرانَ.
وفيه: تحمُّلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المشاقَّ والأذَى من أجلِ الدَّعوةِ إلى اللهِ تَعالَى.
وفيه: أنَّ ما على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا البَلاغُ، واللهُ عزَّ وجلَّ هو الَّذِي يَهدِي مَن يَشاءُ.
وفيه: أنَّ الأنبياءَ قدْ يُصابون ببَعضِ العوارضِ الدُّنيويَّةِ؛ مِن الجِراحاتِ والآلامِ والأسقامِ؛ لِيَعظُمَ لهم بذلكَ الأجرُ، وتَزدادَ دَرجاتُهم رِفعةً، ولِيَتأسَّى بهم أتْباعُهم في الصَّبرِ على المكارِهِ.
وفيه: أنَّ الأمرَ كلَّه للهِ سُبحانه وتَعالَى يَفعَلُ ما يَشاءُ، وليْس للعبدِ إلَّا القيامُ بما أُمِر به، لا المنازعةُ في حُكمِ اللهِ عزَّ وجلَّ.