باب جيش البيداء2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي إدريس المرهبي، عن مسلم بن صفوان
عن صفية، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت، حتى يغزو جيش، حتى إذا كانوا بالبيداء -أو ببيداء من الأرض - خسف بأولهم وآخرهم، ولم ينج أوسطهم" قلت: فإن كان فيهم من يكره؟ قال:"يبعثهم الله على ما في أنفسهم" (1)
لقدْ جَعَل اللهُ عزَّ وجلَّ لمَكَّةَ المُكرَّمةِ والمدينةِ المُنوَّرةِ مَنزِلةً تَفُوقُ غيرَهما مِن الأماكنِ والمَنازلِ، وعجَّلَ العُقوبةَ لمَن أرادَهُما بسُوءٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه في آخِرِ الزَّمانِ يَقصِدُ جَيشٌ عَظيمٌ الكَعْبةَ لتَخريبِها، حتَّى إذا كانَوا في بَيْداءَ مِن الأرضِ -أي: بأرْضٍ مُتَّسعةٍ مَلْسَاءَ لا شَيءَ بِها، ويَعني مَوضعًا مِن الصَّحارَى فيما بيْن مكَّةَ والمدينةِ- خَسَفَ اللهُ الأرضَ مِن تَحتِهم، فوَقَعوا فيها مِن أوَّلِهمْ إلى آخِرِهمْ، فَعمَّهُم كلَّهُم بالخسْفِ، وزاد مُسلمٌ في رِوايةٍ: «فلا يَبْقى إلَّا الشَّريدُ الَّذي يُخبِرُ عنهم». فَتَساءلتْ أمُّ المُؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: كيفَ يَعُمُّ العِقابُ الجميعَ وفيهم أهْلُ سُوقِهم ممَّن يَبِيعون ويَشترُون، ومَن ليس منْهم ممَّن صادَفَ وُجودُه معهم عندَ وُقوعِ الخسْفِ، ولمْ يَنوِ غَزْوَ الكَعبةِ، ولا التَّعرُّضَ لها؟ فاستَشْكَلَت أمُّ المؤمنينَ وُقوعَ العذابِ على مَن لا إرادةَ له في القتالِ الَّذي هو سَببُ العُقوبةِ، فبَيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الخَسْفَ يَعُمُّهم، ثمَّ يَبعَثُهم اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ القِيامةِ، فيُحاسَبُ كلٌّ منهم بحسَبِ نِيَّتِه وقصْدِه؛ إنْ خَيرًا فخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ.
وفي الحَديثِ: أهميَّةُ النِّيَّةِ وأثَرُها على العَبدِ.
وفيه: عِنايةُ اللهِ تعالَى بالبَيْتِ الحَرامِ.
وفيه: أنَّ مَن كَثَّرَ سَوادَ قَومٍ جَرَى عليه حُكْمُهم في ظاهِرِ عُقوباتِ الدُّنيا.