باب حمل الزاد في الغزو، وقول الله تعالى {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
بطاقات دعوية
عن أسماء رضي الله عنها قالت: صنعت سفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر، حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئا أربط به إلا نطاقي، قال:
فشقيه باثنين، فاربطيه بواحد السقاء وبالاخر السفرة. ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين.
(ومن طريق وهب بن كيسان؛ قال: كان أهل الشام يعيرون ابن الزبير، يقولون: يا ابن ذات النطاقين! فقالت له أسماء: يا بنى! إنهم يعيرونك بالنطاقين، هل تدري ما كان النطاقان؛ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحدهما، وجعلت في سفرته آخر، قال: فكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: إيها والإله؛ تلك شكاة ظاهر عنك عارها (81) 6/ 199)
كان جُهَّالُ أهلِ الشَّامِ -وهم عَسكَرُ الحَجَّاجِ بنِ يُوسُفَ- يقاتِلون عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ على مكَّةَ، أو عَسكَرُ الحصَينِ بن نميرٍ الذين قاتلوه قبل ذلك من قِبَل يزيدَ بنِ مُعاويةَ، يُعيِّروَن عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ رضِيَ اللهُ عنهما بِأمَّهِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وبأنَّها يُطلَقُ عليها ذاتُ النِّطاقَيْنِ! فكانوا يَقولون له: يا ابنَ ذاتِ النِّطاقَيْنِ، على وجْهِ الذَّمِّ، والنِّطاقُ: هو ما تَشُدُّ به المرأةُ وسَطَها عندَ مُعاناةِ الأشغالِ؛ لِتَرفَعَ به ثَوبَها، فقالتْ له أسماءُ رضِيَ اللهُ عنها: يا بُنَيَّ، إِنَّهُم يُعيِّروَنك بالنِّطاقَيْنِ؛ هل تَدْري ما النِّطاقانِ؟ فأخبَرَتْه أنَّها شَقَّتْ نِطاقَها نِصفينِ، وربَطَتْ قِرْبَةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التي يَشرَبُ منها بِأحدِ الشِّقَّينِ، وجَعَلتِ الآخَرَ على ما كانَ يُحْمَلُ فيه الطَّعامُ، فلمَّا عَلِمَ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبيرِ رضِي اللهُ عنهما أنَّ هذا اللَّقبَ يَجلِبُ الفَخرَ لا الذَّمَّ، كان يَقولُ عندما يَسمَعُ أهلَ الشَّامِ يُنادونَه بِابنِ ذاتِ النِّطاقَيْنِ: «إِيهًا والإلِه!»، أي: نَعَمْ واللهِ، «تلك شَكاةٌ ظاهِرٌ عنك عارُها»، والشَّكاةُ: رفْعُ الصَّوتِ بِالقَولِ القبيحِ، والمعنى: أنَّ هذا اللَّقبَ الَّذي يَظُنُّ مُطلِقُه أنَّه قَبيحٌ، لا يَتعلَّقُ بِسَبِبِه عارٌ لِي، بَلْ هُو مصدَرُ فخْرٍ، وما قالَه ابنُ الزُّبَيرِ رضِي اللهُ عنهما هو شَطْرُ بَيتٍ أوَّلُه:
وعَيَّرَني الوَاشُونَ أنِّي أُحِبُّها
وفي الحَديثِ: مَنقَبةٌ لأسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
وفيه: أنَّ السُّفَهاءَ في كُلِّ عَصرٍ قد يحَوِّلون بعضَ القِيَمِ العظيمةِ إلى معانٍ مُستقبَحةٍ.