باب خبز الشعير3
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة
عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حريصًا على التَّقلُّلِ مِن الدُّنيا ومَتاعِها؛ رغبةً فيما عندَ اللهِ في الآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عَنهما: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَبيتُ اللَّيالِيَ المتتابِعةَ طاويًا وأهلُه"، أي: جائعًا هو وأهلُه من نِسائِه ليلًا، ثمَّ فسَّر سبَبَ جوعِه باللَّيل بقولِه: "لا يَجِدون عَشاءً"، أي: أكْلَ الطعامِ الذي يُتعشَّى به وقتَ العِشاءِ وهو آخِرُ النَّهَارِ أو أوَّلُ اللَّيلِ، وقيل: هو اسمٌ لما يُؤكَلُ بعدَ الزَّوالِ، أي: في وقتِ العشيِّ، "وكان أكثَرُ خُبزِهم خُبزَ الشَّعيرِ"، والشعيرُ أقلُّ في كُلفةِ التَّحصيلِ مِن البُرِّ ونحوِه، ومع ذلك لم يَكونوا يَجِدون خُبزَ الشَّعيرِ في العَشاءِ في كثيرٍ مِن الأوقاتِ كما في هذا الحديثِ، وهذا الخبزُ مِن أشَدِّ أنواعِ المخبوزاتِ طَعمًا ومذاقًا وملمَسًا؛ ففيه خُشونةٌ وصَلابةٌ، ولا يَستَسيغُه كثيرٌ مِن النَّاسِ، ومع ذلك فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لا يَجِدُه لِيَشبَعَ منه هو وأهلُه، ولا تَعارُضَ بين هذا الحديثِ وما قد عُلِم مِن صحَّة الخبرِ "أنَّه كان يأخُذُ ممَّا أفاء اللهُ عليه مِن بني النَّضيرِ وفَدَكٍ قُوتَه وقوتَ عِيالِه سَنةً، ثمَّ يَجعَلُ ما فضَل من ذلك في الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً في سبيلِ اللهِ"؛ لأنَّه لم يَكُنْ يَكنِزُ مالًا، وكان كثيرَ الصَّدقةِ، وكان الضِّيفانُ يأتونه فيُكرِمُهم بما عنده حتَّى ينتهيَ، وربَّما كان هذا حالَهم في وقتٍ دونَ وقتٍ، أو في أكثَرِ الأوقاتِ.
وفي الحديثِ: ابتلاءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأهلِه رضِيَ اللهُ عَنهنَّ ، وصبرُهم على الجوعِ.