باب دواء الجراحة2
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه
عن جده، قال: إني لأعرف يوم أحد من جرح وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن كان يرقئ الكلم من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويداويه، ومن يحمل الماء في المجن، وبما دووي به الكلم حتى رقأ، قال: أما من كان يحمل الماء في المجن فعلي، وأما من كان يداوي الكلم ففاطمة، أحرقت له حين لم يرقأ قطعة حصير خلق، فوضعت رماده عليه فرقأ الكلم (2)
وقَعَتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالِثةِ منَ الهِجْرةِ، وقد قاتَلَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن ثبَت معَه مِن الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم بقُوَّةٍ وشَجاعةٍ رَغمَ تَخَلخُلِ الصُّفوفِ بعْدَ مُخالَفةِ أمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَعضِهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو حازِمٍ سَلَمةُ بنُ دينارٍ أنَّه عندَما سُئلَ الصَّحابيُّ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه عن جُرحِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي جُرِحَه في غَزْوةِ أُحُدٍ؛ قال: «أمَا واللهِ إنِّي لَأعرِفُ مَن كان يَغسِلُ جُرحَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَن كان يَسكُبُ الماءَ، وبما دُووِيَ»، ثمَّ ذكَر أنَّ فاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها هي مَن كانت تَغسِلُ جُرحَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه هو الَّذي يَسكُبُ الماءَ على الجُرحِ، وكان يَسكُبُه ويَصُبُّه بالمِجَنِّ، وهو التُّرْسُ الَّذي يُتَّقى به مِن ضَرَباتِ السَّيفِ، وهو مِن عَتادِ المُحارِبِ، فلمَّا رَأتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ الماءَ لا يَزيدُ الدَّمَ إلَّا كَثرةً، أخذَتْ قِطْعةً مِن حَصيرٍ، فأحْرَقَتْها حتَّى صارَت رَمادًا، وألْصَقَتْها بالجُرحِ، حتَّى سدَّت مَنافِذَ الدَّمِ بهذا الرَّمادِ المَحْروقِ، فاستَمسَكَ الدَّمُ، وتَوقَّفَ عنِ النَّزفِ.
ويَصِفُ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه الإصابةَ الَّتي أُصيبَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في يومِ أُحُدٍ؛ فيَذكُرُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُه اليُمْنى السُّفْلى، كسَرَها عُتْبةُ بنُ أبي وقَّاصٍ مِن كفَّارِ قُرَيشٍ، والرَّبَاعِيَةُ هي السِّنُّ الَّتي بيْنَ الثَّنيَّةِ والنابِ مِن كلِّ جانبٍ مِنَ الأسْنانِ، وللإنْسانِ أربَعُ رَبَاعِيَاتٍ، وجُرِحَ وَجهُه الشَّريفُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، جرَحَه عبدُ اللهِ بنُ قَميئةَ، وقدْ سلَّطَ اللهُ على ابنِ قَميئةَ تَيْسَ جَبلٍ، فلم يزَلْ يَنطَحُه حتَّى قطَّعَه قِطْعةً قِطْعةً. وكُسِرَتِ البَيْضةُ، وهي الخُوذةُ الَّتي كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَلبَسُها على رأْسِه.
وفي الحَديثِ: إبْرازُ بشَريَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُصيبُه ما يُصيبُ البشَرَ مِنَ الألَمِ والمَرضِ والجِراحِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ مُداواةِ المَرْأةِ لأبيها، وكذلك لغَيرِه من ذَوي مَحارِمِها، والقيامِ بأُمورهِم.
وفيه: مَشْروعيَّةُ التَّداوي، ومُعالَجةِ الجِراحِ، واتِّخاذِ التُّرْسِ في الحَربِ، وأنَّ جَميعَ ذلك لا يَقدَحُ في التوَكُّلِ؛ لصُدورِه مِن سيِّدِ المُتوَكِّلينَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: إشْعارٌ بأنَّ الصَّحابةَ والتَّابِعينَ كانوا يتَّبِعونَ أحْوالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ شَيءٍ.