باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم السلام 2
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام فنعته النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو رجل حسبته قال مضطرب (4) رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ربعة أحمر (5) كأنه خرج من ديماس يعني حماما قال ورأيت إبراهيم - عليه السلام - وأنا أشبه ولده به قال فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقال هديت الفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك
كانتْ رِحلةُ الإسْراءِ والمِعراجِ مِن المُعجِزاتِ التي أيَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأكْرَمَه اللهُ وأصْعَدَه مع جِبريلَ إلى السَّمواتِ العُلى، حتَّى أَراه الجَنَّةَ، وأَراه إخوانَه مِن الأنبياءِ، وأَراه مِن آياتِه الكُبْرى.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَن مشْهدٍ مِن مُشاهداتِه في رِحلةِ الإسراءِ والمِعراجِ، وفيها رَأى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيَّ اللهِ مُوسى وعِيسى عليهما السَّلامُ، أمَّا مُوسى فوَصَفَه النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكر أنه رجُلٌ ضَرْبٌ، أي: نَحيفٌ خَفيفُ اللَّحمِ، «رَجِلٌ»، يعني: ليس شَديدَ الخُشونةِ والجُعودةِ ولا شَديدَ اللِّيونةِ، بلْ بيْنهما، كأنَّه مِن رِجالِ شَنُوءةَ، أي: في طُولِه وسُمْرتِه، وشَنُوءةُ: قَبيلةٌ مِن قَبائلِ اليَمنِ.
وأمَّا عِيسى عليه السَّلامُ فوَصَفَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّه «رَجُلٌ رَبْعَةٌ»، يعني: لا طَويلٌ ولا قَصيرٌ، ووَصَفَه بأنَّ لَونَه يَميلُ إلى الحُمرةِ، وقيل: الأحمَرُ عندَ العرَبِ الأبيضُ، «كأنَّما خرَجَ مِن دِيماسٍ» وهو البيتُ أو النَّفَقُ في الأرضِ. وقيل: الحمَّامُ، والمرادُ وَصْفُه بِصفاءِ اللَّونِ ونَضارةِ الجِسمِ وكَثرةِ ماءِ الوجهِ، وفي الصحيحين: «يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً».
ومِن مَشاهِدِ رِحلةِ الإسراءِ والمعراجِ التي ذكَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُدِّم له إناءانِ؛ في أحدِهما لَبنٌ، وفي الآخَرِ خمرٌ، وذلك قبْلَ تَحريمِ الخمْرِ؛ لأنَّ الإسراءَ كان بمكَّةَ، وتَحريمَ الخَمْرِ كان بالمدينةِ، فقالَ له جِبريلُ: اشْرَبْ أيَّهما شِئْتَ، فأخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اللَّبنَ فَشرِبَه، فقيلَ له: أخذْتَ الفِطرةَ، أمَا إنَّك لو أخذْتَ الخَمرَ غوَتْ أمَّتُك؛ وهذا لأنَّ الخَمْرَ أمُّ الخَبائثِ وجالبةٌ لأنواعِ الشُّرورِ، وتَوفيقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عِصمةِ اللهِ تعالَى لِنبيِّه، ونِعمتِه على هذه الأُمَّةِ.
وفي الحَديثِ: عِلْمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأحوالِ الأنبياءِ وإخبارِه بذلك.