باب ذكر حديث أم زرع
بطاقات دعوية
وأشرب فأتقنح
أم أبي زرع، فما أم أبي زرع عكومها رداح، وبيتها فساح
ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة
بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها
جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا
قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا وقال: كلي، أم زرع وميري أهلك
قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع
كان النبي صلى الله عليه وسلم طيب العشرة مع نسائه، وكان يحب عائشة رضي الله عنها، وكان يسمع لها، ويطيب خاطرها
وهذا المتن جزء من حديث في الصحيحين، وفيه تقص أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قصة إحدى عشرة امرأة، "تعاهدن وتعاقدن"، أي: ألزمن أنفسهن عهدا، وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، حتى قالت الحادية عشرة: «زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟! أناس من حلي أذني»، أي: ملأ أذني من الحلي، «وملأ من شحم عضدي»، وملأ جسدي لحما من الأكل، «وبجحني فبجحت إلي نفسي»، أي: عظم إلي نفسي فعظمت عندي، «وجدني في أهل غنيمة بشق»، أي: إن أهلها كانوا ذوي غنم، وليسوا أصحاب إبل ولا خيل، وكانوا يقيمون بمكان اسمه شق، «فجعلني في أهل صهيل وأطيط»، الصهيل: صوت الخيل، والأطيط: صوت الإبل، أي: جعلها من أصحاب الخيل والإبل، «ودائس ومنق»، أي: يدوس الزرع؛ ليخرج الحب من السنبل وينقي الطعام، أي: يزيل ما يختلط به من قشر ونحوه، والمعنى: أنه نقلها من شدة العيش وجهده إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع، «فعنده أقول فلا أقبح»، أي: لا يقبح قولي ولا يرده، «وأرقد فأتصبح»، أي: أنام حتى الصباح؛ لأنها كانت تملك خدما يقومون عنها بأعمال المنزل، «وأشرب فأتقنح»، أي: أشرب حتى أرتوي فلا يقطع شربي شيء، ثم أثنت المرأة على أم زوجها أبي زرع، فقالت: «أم أبي زرع؛ فما أم أبي زرع؟! عكومها رداح»، أي: الأوعية التي تجمع فيها الأمتعة رداح، أي: كبيرة، «وبيتها فساح»، أي: وبيتها واسع كبير، ثم تثني على ابن أبي زرع زوجها، فتقول: «مضجعه كمسل شطبة»، أي: مكان نومه يشبه الجريد المشطوب، تريد أن قوامه يشبه السيف في الرشاقة والخفة، «ويشبعه ذراع الجفرة»، أي: ويشبع من ذراع الجفرة، وهي أنثى المعز التي بلغت أربعة أشهر، ثم تثني المرأة على بنت أبي زرع فتقول: «طوع أبيها، وطوع أمها»، أي: طائعة لأبيها وأمها، «وملء كسائها»، أي: تملأ ثوبها لسمنتها، «وغيظ جارتها»، أي: تغيظ ضرتها؛ لجمالها وأدبها وعفتها، ثم تثني على جارية أبي زرع فتقول: «لا تبث حديثها تبثيثا»، أي: لا تذيع وتفشي حديثهم وأسرارهم، «ولا تنقث ميرتنا تنقيثا»، أي: ولا تفسد طعامهم، «ولا تملأ بيتنا تعشيشا»، أي: لا تترك القمامة مفرقة في البيت كأعشاش الطيور، ثم قالت: «خرج أبو زرع والأوطاب تمخض»، أي: خرج أبو زرع يوما، والأوطاب وهي أوعية اللبن تحرك لاستخراج الزبد، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، «يلعبان من تحت خصرها برمانتين»، أي: يتحركان تحت وسطها، ويلعبان بثديي المرأة الصغيرين كالرمانتين في حسنهما، فطلقني ونكحها، «فنكحت بعده رجلا سريا»، أي: رجلا شريفا، «ركب شريا»، أي: أنه يمضي في سيره بجد بلا انقطاع، «وأخذ خطيا» الخطي: الرمح، وهو منسوب إلى موضع باليمن تجلب منه الرماح، «وأراح علي نعما ثريا»، وأتى لها بالكثير من الإبل، «وأعطاني من كل رائحة زوجا»، أي: كان يعطيها من كل شيء يأتي بها نوعين، وقال: كلي أم زرع، «وميري أهلك»، أي: صلي أهلك وبريهم وأوسعي عليهم في الطعام، قالت: لو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع، أي: كل ما أكرمني به لا يساوي شيئا من إكرام أبي زرع. وبعد أن قصت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة قال لها: "يا عائشة، كنت لك كأبي زرع لأم زرع"، أي: كانت سيرتي معك في الإكرام والحب كما كانت سيرة أبي زرع لأم زرع، "إلا أن أبا زرع طلق"، أي: طلق زوجته أم زرع، "وأنا لا أطلق"، أي: لا أطلقك يا عائشة، وهذا تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن عشرته إياها