باب ذكر ما يستفتح به القيام 4
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن سلمة، قال: أنبأنا ابن القاسم، عن مالك، قال: حدثني مخرمة بن سليمان، عن كريب، أن عبد الله بن عباس أخبره، أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين وهي خالته، فاضطجع في عرض الوسادة، «واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا انتصف الليل أو قبله قليلا أو بعده قليلا استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي»، قال عبد الله بن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، «فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين»
كان عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما فتًى ذَكيًّا، يَتتبَّعُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَتعلَّمُ منه سُنَنَه؛ ليَعمَلَ بها ويُبلِّغَها مَن بعدَه
وفي هذا الحَديثِ يَحكي ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه باتَ لَيلةً عندَ خالتِه مَيمُونةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاضطَجَعَ ونام في عَرْضِ الوِسادةِ والعَرْضُ -بفتْحِ العينِ-: ضِدُّ الطُّولِ، والوِسادةُ: شَيءٌ مَعروفٌ يُوضَعُ تحتَ رأسِ النَّائمِ، ويُقالُ له: المِخَدَّةُ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وزَوجتُه مَيمونةُ في طُولِها، فنامَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إذا انتصَفَ اللَّيلُ، أو قبْلَه بقليلٍ، أو بعدَه بقليل؛ استَيقَظَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجلَسَ يَمسَحُ أثَرَ النَّومِ عن وَجْهِه بيَدِه لِيَستفيقَ، ثمَّ قرَأَ الآياتِ العَشْرَ الخَواتِيمَ مِن سُورةِ آل عِمرانَ مِن قولِه تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [آل عمران: 190- 200] إلى آخِرِ السُّورةِ، ثمَّ قام إلى قِربةٍ قَديمةٍ مُعلَّقةٍ، فتَوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضوءَه وأسبَغَه، ثمَّ قام يُصلِّي التَّهجُّدَ، قال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: فقُمْتُ فصَنَعتُ مِثلَ ما صنَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ بأنْ توضَّأَ وأحسنَ الوُضوءَ وأسْبغَه، ثمَّ وقَفَ إلى جانِبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليُصلِّيَ معه، فوضَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدَه اليُمنى على رأسِ ابنِ عبَّاسٍ، وأمْسَكَ بأُذنِه اليُمنى يَفرُكُها ويَدلُكُها؛ تَنبيهًا له مِن النُّعاسِ، أو ليَتنبَّهَ لِهَيئةِ الصَّلاةِ ومَوقفِ المأمومِ، وإمَّا لإظهارِ المَحبَّةِ، وغيرِ ذلك، وقيل: لم يَكُن فَرْكُه أُذنَه إلَّا لأجْلِ أنَّه لمَّا وقَفَ بجَنبِه اليسارِ، فأخَذَ أُذنَه وعَرَكَها وأدارهَ إلى يَمينِه.فصلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اثْنَتَي عَشرةَ رَكعةً، يُسلِّمُ في كلِّ رَكعتَينِ، ثمَّ أوْتَرَ، فصَلَّى عَددًا وِتريًّا مِن الرَّكعاتِ، سواءٌ كان برَكعةٍ واحدةٍ أو ثَلاثٍ، ثمَّ اضطجَع ومالَ على جَنبِه حتَّى أتاهُ المُؤذِّنُ ليُؤذِنَه بصَلاةِ الفجْرِ، فقام فصَلَّى رَكعتينِ خَفيفتينِ، وهما رَكعَتا الفجْرِ، ثمَّ خرَجَ فصَلَّى فَريضةَ الصُّبحِ
وفي هذا الحديثِ: قِراءةُ القُرْآنِ بعدَ الحَدَثِ وغيرِه على غَيرِ وُضوءٍ؛ لقِراءتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الآياتِ بعدَ قِيامِه مِن نومِه قبلَ وُضوئِه
وفيه: تَخفيفُ سُنَّةِ الصُّبحِ
وفيه: ما كان عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن العِبادةِ باللَّيلِ