من نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى
سنن النسائي
أخبرني يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، أخبره، أن أبا الخير حدثه، عن عقبة بن عامر، قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لتمش ولتركب»
النَّذرُ: هو إيجابُ الإنسانِ على نَفسِه فِعلًا لم يجِبْ عليه، فإذا كان المَنذورُ مُستطاعًالا يَعجِزُ العَبدُ عن الوَفاءِ به، وكان طاعةً لم تَشتمِلْ على مَعصيةٍ؛ فإنَّه يَجِبُ الوَفاءُ به، وقدْ يسَّرتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ في الوفاءِ به
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُختَه قد نَذَرَت أن تَمْشيَ إلى بَيتِ اللهِ الحرامِ، ولَمَّا شَعَرَتْ بالحرَجِ وبعَدمِ قُدرتِها على الوَفاءِ بنَذْرِها، طلَبَتْ مِن أخيها عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَستفتيَ لها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ يَلزَمُها الوفاءُ بنَذرِها مع عدَمِ قُدرتِها أو لا؟ فلمَّا استَفْتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: لتَمشِ ولتَرْكَبْ، أي: لتَمْشِ ما استطاعَتْ، ولْتَرْكَبْ عِندَما لا تَستطيعُ المشْيَ
وقيل: إنَّ مَن نذَرَ المشْيَ لا يَلزَمُه ذلك، سواءٌ قدَرَ عليه أو لا؛ لأنَّ المشْيَ نفْسَه غيرُ طاعةٍ، إنَّما الطَّاعةُ الوصولُ إلى ذلك المكانِ، كالبيتِ العَتيقِ، مِن غَيرِ فرْقٍ بيْن المشْيِ والرُّكوب؛ ولهذا سوَّغ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّكوبَ لأختِ عقبةَ بنِ نافعٍ مع أنَّها نذَرَتِ المشيَ، فكان ذلك دالًّا على عدمِ لُزومِ النَّذرِ بالمشْيِ، وإنْ دخَل تحتَ الطَّاقةِ
وإنَّما أمَرَ الشَّيخَ الكبيرَ بالرُّكوبِ في حَديثِ أنسٍ الذي في الصَّحيحَينِ؛ لأنَّه كان شَيخًا ظاهرَ العجْزِ، وأمَر أُختَ عُقبةَ بالمشْيِ والرُّكوبِ معًا؛ لأنَّها لم تُوصَفْ بالعجزِ، فكأنَّه أمَرها أنْ تَمشِيَ إنْ قدَرَتْ، وتَركَبَ إنْ عَجَزَتْ.
وفي الحديثِ: بَيانُ تَيسيرِ الشَّرعِ في مَواطنِ الاضطرارِ والشِّدَّةِ
وفيه: أنَّ تَكاليفَ الدِّينِ مَبنيَّةٌ على قدْرِ استطاعةِ العبْدِ على العمَلِ