‌‌باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله

حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت، أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقال: مهلا، لم تبكي؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار» وفي الباب عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وجابر، وابن عمر، وزيد بن خالد. سمعت ابن أبي عمر، يقول: سمعت ابن عيينة، يقول: " محمد بن عجلان كان ثقة مأمونا في الحديث: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله» وقد روي عن الزهري، أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»، فقال: «إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي»: «ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة، وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار» وقد روي عن عبد الله بن مسعود، وأبي ذر، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد ويدخلون الجنة» هكذا روي عن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وغير واحد من التابعين في تفسير هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} [الحجر: 2] قالوا: إذا أخرج أهل التوحيد من النار وأدخلوا الجنة ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "
‌‌_________

الموتُ قَدَرٌ مَحتومٌ على كلِّ نَفسٍ، والعاقِلُ مَن قَدَّمَ لنَفسِه الخيرَ، والْتَزَمَ طاعَةَ اللهِ فيما أمَرَ بِهِ، وسارَ على نَهجِ رَسولِه الكريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يَروي التَّابعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عُسَيلَةَ الصُّنَابِحيُّ أنَّه دَخَلَ على عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ رَضيَ اللهُ عنه وهو في مَرَضِ الموتِ وشِدَّتِه، فبَكى الصُّنابحيُّ، فقالَ له عُبادَةُ رَضيَ اللهُ عنه: «مهْلًا»، أي: تَمهَّل وارفُق بنَفسِكَ، وسألَه عن سببِ بُكائه، ثُمَّ أقسَمَ عُبادةُ باللهِ: لَئن مِتُّ قَبلَكَ يا صُنَابِحيُّ وطَلَبَ اللهُ مِنِّي الشَّهادَةَ في المَوقِفِ يومَ القيامةِ، فسَأشهَدُ لكَ بما عِندي منَ العِلمِ بأنَّك على خيرٍ، وإن شَفَّعَني اللهُ في أحَدٍ من خَلقِه فسأطلُبُ الشَّفاعَةَ فيكَ، وأن يُنجيَكَ اللهُ، وإنِ استَطعتُ تَقديمَ المَنفعةِ لكَ فسَوف أفعلُ، ثُمَّ أقسَمَ عُبادَةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ كلَّ ما سَمِعَه من حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفيه خيرٌ لهُم، فَقد حدَّثَهم به، «إلَّا حَديثًا واحدًا»، وسَوفَ يُحدِّثُهم به اليومَ وقد حانت ساعتُه وأيقَنَ بمَوتِه، فأخبَرَ أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخبِرُ أنَّ مَن شَهِدَ لله تَعالَى بالتَّوحيدِ، ولمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ، وعَمِلَ بمُقتَضى تلك الشَّهادةِ، وتَيقَّنَ من مَعناها، وماتَ عليها؛ وَقاه اللهُ النَّارَ وأدخَلَه الجَنَّةَ، وقيلَ: إنَّ وَجهَ الحديثِ: أنَّ أهلَ التَّوحيدِ سيدخُلونَ الجَنَّةَ، وإن عُذِّبَ بعضُهم بالنَّارِ بذُنوبِهم فإنَّهم لا يُخلَّدون فيها.
وفي الحديثِ: أنَّ المرءَ لا يُحدِّثُ إلَّا بما فيه الخيرُ للنَّاسِ.
وفيه: فضلُ اللهِ على عِبادِه المُوحِّدينَ.