باب رفع الصوت في المساجد
بطاقات دعوية
عن السائبِ بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد، فحصَبَني رجلٌ، فنظرت، فإذا عمرُ بنُ الخطاب، فقالَ: اذهبْ فائتِني بهذين، فجئتُه بهما، قالَ: مَن أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهلِ الطائف، قالَ: لوْ كُنتُما من أهل البلَدِ لأَوجَعْتُكُما، تَرفعان أصواتَكُما في مسجد رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟!
المساجدُ بُيوتُ اللهِ في الأرضِ، وقد حَثَّ الإسلامُ على تَعظيمِ حُرمتِها وحِفظِها عن كلِّ شَرٍّ، وصَونِها مِن رَفْعِ الأصواتِ فيها، إكرامًا لها، وتَقديرًا للعِبادةِ التي تُقامُ فيها، ولِمَسجدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُرمةٌ زائدةٌ في كلِّ ذلك.وفي هذا الحديثِ يَحكي السَّائِبُ بنُ يَزيدَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان واقفًا في المسجِدِ، فرَمَاه رجُلٌ بالحَصَى، فلمَّا نَظَرَ لِيَرَى مَن رَماه بالحَصى، وَجَدَه الخليفةَ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له عُمَرُ: اذهَبْ فأْتِني بهَذينِ الشَّخصينِ، وهما شَخصانِ قد رَفَعَا أصواتَهما في المسجدِ، فذَهَبَ السائبُ وأحضَرَهما إليه، فسَأَلَهما عمَرُ: مَنْ أنتما -أو مِنْ أين أنتُما-؟ فقالا: مِنْ أهْلِ الطَّائفِ، وهي مَدينةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ حَوالَي (500 كم)، فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: لو كُنْتما مِن سُكَّانِ المدينةِ لَأَوْجَعْتُكما ضَرْبًا وجَلْدًا؛ لأنَّكما تَرْفعانِ أصواتَكما في مَسجِدِ رَسولِ الله! وإنَّما فَرَّقَ عُمَرُ بيْن أهْلِ المدينةِ وغيرِها في هذا؛ لأنَّ أهلَ المدينة لا يَخفَى عليهم حُرْمَةُ مَسجِدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَعْظِيمُه، بِخلافِ مَن لم يكُنْ مِن أهْلِها؛ فإنَّه قد يَخفى عليه مِثلُ هذا القَدْرِ مِن احترامِ المسجدِ، فعَفا عنهما لجَهْلِهما.
وفي الحديثِ: المَعذِرةُ لأهْلِ الجَهْلِ بالحُكمِ إذا كان مِمَّا يَخفَى مِثلُه.
وفيه: النَّهيُ عن رَفْعِ الصَّوْتِ في مَسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: فضْلُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه واحترامُه لمَسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: تَأْديبُ الإمامِ مَن يَرفَعُ صَوتَه فِي المَسجِدِ باللَّغَطِ.