باب رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه
سنن النسائي
أخبرنا موسى بن عبد الله بن موسى البصري، قال: حدثنا النضر بن كثير أبو سهل الأزدي، قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس بمنى في مسجد الخيف، فكان «إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها، رفع يديه تلقاء وجهه» فأنكرت أنا ذلك، فقلت لوهيب بن خالد: إن هذا يصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه، فقال له وهيب: تصنع شيئا لم نر أحدا يصنعه، فقال عبد الله بن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، وقال عبد الله بن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه
كان السَّلَفُ الصالِحُ من الصَّحابةِ والتابعينَ يَحرِصون أشدَّ الحِرصِ على تَطْبيقِ السُّنةِ، ويُنكِرون على مَن يُخالِفُها، وهذا الحديثُ جُزءٌ مِن روايةٍ عندَ أبي داودَ يَقولُ فيها النَّضرُ بنُ كَثيرٍ: "صلَّى إلى جَنْبي عبدُ اللهِ بنُ طاوسٍ في مَسجِدِ الخَيفِ"، وهو بمِنًى، والخَيفُ: ما انحَدَر عَنِ الجبَلِ وارتفَع عن المَسيلِ، وسُمِّي المسجِدُ بذلك؛ لأنَّه بُنِيَ أعلى الجبَلِ، يَقولُ: "فكان إذا سجَدَ السَّجدةَ الأُولى فرَفَعَ رأْسَه مِنها رفَعَ يدَيْه تِلْقاءَ وَجهِه"، أي: بمُحاذاةِ وَجهِه، "فأنكَرْتُ ذلك"؛ إذِ السُّجودُ لا رفْعَ لليَدَينِ فيه، قال: "فقلْتُ لوُهَيبِ بنِ خالدٍ"، أي: أخبَرتُه بإنكاري، "فقال له وُهيبُ بنُ خالدٍ"، أي: قال لِعبدِ اللهِ بنِ طاوسٍ: "تَصنَعُ شيئًا لم أرَ أحَدًا يَصنَعُه! فقال ابنُ طاوسٍ"؛ رَدًّا على إنكارِهم: "رأيتُ أبي يَصنَعُه"، أي: طاوسَ بنَ كَيسانَ، "وقال أبي: رأَيتُ ابنَ عبَّاسٍ يَصنَعُه، ولا أعلَمُ إلَّا أنَّه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصنَعُه"، والمعنى: أنَّهم يتَّبِعون في ذلك سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
والذي في الرِّواياتِ الصَّحيحةِ المشهورةِ: أنَّ رفْعَ اليَدينِ يُشرَعُ عندَ تَكبيرةِ الإحرامِ، وعندَ الرُّكوعِ، وعندَ الرَّفعِ منه، وعندَ القِيامِ مِن التَّشهُّدِ الأوَّلِ إلى الرَّكعةِ الثالثةِ، ويُجمَعُ بيْن هذه الأحاديثِ وبيْن هذه الرِّوايةِ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان الأكثَرُ مِن فِعلِه عدَمَ رفْعِ اليدينِ بيْن السَّجدتينِ