باب سبق فقراء المهاجرين الأغنياء إلى الجنة
بطاقات دعوية
عن أبي عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال ألسنا من فقراء المهاجرين فقال له عبد الله ألك امرأة تأوي إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فأنت من الأغنياء قال فإن لي خادما قال فأنت من الملوك. قال أبو عبد الرحمن وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وأنا عنده فقالوا يا أبا محمد إنا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا قالوا فإنا نصبر لا نسأل شيئا. (م 8/ 220)
إنَّ استِغْناءَ الإنسانِ بصِحَّتِه مع قَناعتِه بما عِنده مِن رِزقِ اللهِ، أفضَلُ مِنِ استِغْنائِه بالمالِ، وهذا النَّوعُ مِن الاستغناءِ يَقْتضي الشُّكرَ والصَّبرَ على ما في يَدِه؛ فإنَّ الإنسانَ يَنعَمُ بذلك أكثَرَ ممَّن كان غنيًّا ولا يَقدِرُ على التَّنعُّمِ بغِناهِ، وأفضَلُ ممَّن لا يُؤدِّي شُكرَ النِّعمةِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو عَبدِ الرَّحمنِ الحُبُلِيُّ أنَّ رجُلًا سَأل عبْدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما، فقال: «ألَسْنا» نَحنُ وأمثالُنا مِن فُقراءِ المُهاجِرينَ؟ أي: مِن خَواصِّ المُهاجرينَ الَّذينَ يَسبُقونَهُم إلى الجنَّةِ؟ والمرادُ بهم: مَن هاجَرَ إلى المدينةِ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَرَك مالَه في بلدِه الَّتي هاجَرَ منها، وخَصَّهم بالذِّكرِ؛ لأنَّهم كانوا في حاجةٍ إلى العَطاءِ مِن غَيرِهم. وكان عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه يُحدِّثُ بحَديثٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفيه: «أنَّ فُقَراءَ المُهاجرِينَ يَسبِقُونَ الأغْنِياءَ يَومَ القِيامةِ إلى الجَنَّةِ بأربَعِينَ خَرِيفًا»، وسَببُ دُخولِهم الجنَّةَ قبْلَ الأغنياءِ أنَّهم لا يُحاسَبون على ما يُحاسَبُ عليه الأغنياءُ؛ مِن الأموالِ والثَّرواتِ، فأولئك يَسْبِقونهم لأنَّهم ليْس عِندهم شَيءٌ يُحاسَبون عليه مِن حيث الأموالُ: تَجمِيعُها ومِن أيْن جاءت؟ وأيْن صُرِفَت؟
فسَألَه عَبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه: هَلْ أنتَ مُتزوِّجٌ وَلكَ امْرأةٌ تَسكُنُ إليها وتُقبِلُ عَليها؟ قال: نَعمْ عِندي، فسَألَه عبْدُ اللهِ: هَل عِندَك سَكنٌ تُقيمُ فيهِ ويَستُرُكَ ويَقِيكَ الحَرَّ والبَرْدَ؟ قال: نَعمْ، عِندي بَيتٌ ومَسْكنٌ، فأخبَرَه عبدُ اللهِ أنَّه بذلكَ مِن أغنياءِ المُهاجِرينَ؛ فإنَّ فُقراءَ المُهاجِرينَ لَيسَ عِندَهُمُ امرَأةٌ وَلا سَكنٌ، وإذا وُجِدَتْ واحدَةٌ لَم تُوجَدِ الأُخرَى، وبذلك ردَّ عليه عبْدُ اللهِ تَسميةَ نَفسِه فَقيرًا مُهاجرًا، وإدخالَه نفْسَه في الجماعةِ الَّذين تَحمَّلوا مِن المتاعبِ ما لم يَتحمَّلْه السَّائلُ، فذَكَرَ أنَّ فَضائلَ الفقراءِ المهاجِرين إنَّما حَصَلت لأولئك الَّذين لم يكُنْ لهم أهلٌ ولا دارٌ، كما كان أصحابُ الصُّفَّةِ في أوَّلِ الأمرِ، وكأنَّه آنَسَ مِن السَّائلِ شيئًا مِن عدَمِ الالتفاتِ إلى النِّعمِ الَّتي أنْعَمَ اللهُ تَعالَى عليه بها، فأرادَ تَذكيرَه بذلك وتَوجيهَه إلى ما يَجِبُ عليه مِن الشُّكرِ
فأضافَ الرَّجلُ أيضًا أنَّ له خادِمًا، أي: له عَبدٌ أو أجيرٌ يَقومُ عَلى خِدمَتِه وأهْلِ بَيتِه، فقال عبدُ اللهِ: فأنتَ بذلك تكونُ مِن المُلوكِ الَّذين يَكفِيهم غيرُهم مَشقَّةَ الخِدمةِ، وهذا الكلامُ مِن عَبدِ اللهِ للسَّائلِ مُبالَغةٌ، كأنَّ السَّائلَ قدْ بَلَغ غايةَ النَّعيمِ مِثلَ الملوكِ، وليْس أنَّه مِن الملوكِ حَقيقةً؛ إذ لا يَسلُبُه الخادمُ اسمَ الفَقرِ
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ مَن له زَوجةٌ ومَسكَنٌ يَسكُنُه ليْس مِن الفُقراءِ