باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصار
بطاقات دعوية
عن على - رضى الله عنه - قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية، فاستعمل عليها رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب [8/ 106] , فقال: أليس [قد] أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعونى؟ قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا. فأوقدوها، فقال: ادخلوها. فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار. فما زالوا حتى خمدت النار، (156) , فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: [للذين أرادوا أن يدخلوها 8/ 135]:
"لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة" [وقال للآخرين:
"لا طاعة فى معصية؛ إنما] الطاعة فى المعروف".
مِن أُصولِ الشَّريعةِ: أنَّه لا طاعةَ لمَخْلوقٍ في مَعْصيةِ الخالقِ، ويَدخُلُ تحْتَ هذا الأصْلِ كلُّ مَن أُمِرَ بطاعةِ أحَدٍ، فالابنُ عليه طاعةُ والدَيْه؛ لكنْ في غَيرِ مَعْصيةٍ، والرَّعيَّةِ عليهم طاعةُ وُلاةِ أُمورِهم في غيرِ مَعْصيةِ اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَ سَريَّةً، وهي أقلُّ عدَدًا مِن الجَيشِ، فيما لا يَزيدُ عن أربعِ مئةِ جُنديٍّ، وعيَّن عليهم رَجلًا مِنَ الأنْصارِ أميرًا، وأمَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالْتِزامِ طاعَتِه.
وحدَثَ أثْناءَ سَفَرِهم أنْ غضِبَ هذا الأميرُ، أو أغْضَبوه في شَيءٍ، فقال لهم: ألَيسَ أمَرَكمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ تُطيعوني؟ قالوا: بَلى، فأمَرَهم أنْ يَجْمَعوا حَطَبًا، ويُشعِلوا فيه النَّارَ، ففَعَلوا، ثُمَّ أمَرَهم أنْ يَدْخُلوا هذه النَّارَ، فقَصَدوا أنْ يَدخُلوها؛ تَنفيذًا لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم بطاعةِ أميرِهم، ثمَّ نظَرَ بعضُهم إلى بَعضٍ، وجعَلَ بعضُهم يُمسِكُ ببَعضٍ، وقالوا: فَرَرْنا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّارِ، أي: إنَّهم أسْلَموا ليَفِرُّوا مِن عَذابِ اللهِ، ومِن نارِ الآخِرةِ؛ فكيف يُؤمَرونَ بدُخولِها في الدُّنْيا؟! فما زالوا على ذلك الحالِ حتَّى انْطَفأتِ النَّارُ، فسَكَنَ غضَبُ هذا الأميرِ، فبلَغَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما حدَثَ، فأخْبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم لو دَخَلوا النَّارَ الَّتي أوْقَدوها طاعةً لأميرِهم، ما خَرَجوا منها إلى يومِ القيامةِ؛ لأنَّهم سيَموتونَ بها، ومِن ثَمَّ فلنْ يَخرُجوا منها للدُّنْيا ثانيةً، أوِ المَعنى: لو دَخَلوها ما خَرَجوا مِن نارِ الآخِرةِ؛ لأنَّهمُ ارْتَكَبوا ما نُهوا عنه مِن قَتلِ أنفُسِهم مُستَحِلِّينَ لذلك، ظانِّينَ أنَّ طاعةَ الأُمراءِ تُبيحُ فِعلَ المَعْصيةِ، وإنَّما «الطَّاعةُ في المَعروفِ»، أي: في طَاعةِ اللهِ تعالى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وهذا نَهيٌ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن طاعةِ مَخْلوقٍ في مَعْصيةِ خالِقِه، سُلطانًا كان الآمِرُ بذلك، أو سُوقةً، أو والِدًا، أو كائنًا مَن كان، فغيرُ جائزٍ لأحدٍ أنْ يُطيعَ أحدًا منَ النَّاسِ في أمرٍ قدْ صحَّ عندَه نَهيُ اللهِ عنه، وأنَّ الأخْبارَ الوارِدةَ بالسَّمعِ والطَّاعةِ، فإنَّما هي مُقيَّدةٌ بهذا الشَّرطِ، وهو ما لم يكُنْ مُخالِفًا لأمرِ اللهِ، وأمرِ رَسولِه، فإذا كان خِلافًا لذلك، فغَيرُ جائزٍ لأحدٍ أنْ يُطيعَ أحدًا في مَعْصيةِ اللهِ، ومَعْصيةِ رَسولِه.