باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة 1
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام, فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم؛ أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيرى، ولا يقتل رجل من أصحابى أسيره، حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرناه له، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده، فقال:
"اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد" (مرتين).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرسِلُ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم إلى القَبائلِ لدَعوَتِهم إلى الإسْلامِ قبْلَ أنْ يَغْزوَهم ويُحارِبَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرسَلَ خالدَ بنَ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه إلى بَني جَذِيمةَ، وهي قَبيلةٌ مِن قَبائلِ العرَبِ مِن عَبدِ قَيسٍ، وكان ذلك في العامِ الثَّامِنِ مِن الهِجْرةِ عَقِبَ فَتحِ مكَّةَ في شوَّالٍ، قبْلَ الخُروجِ إلى غَزْوةِ حُنَينٍ.
فدَعاهم خالدٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى الإسْلامِ، فلم يُحْسِنوا أنْ يُعبِّروا عن إسلامِهِم فيَقولوا: أسلَمْنا، بلْ قالوا: صَبأْنا صَبأْنا، أي: خَرَجْنا مِن دِينٍ إلى دِينٍ، فأخَذَ خالدٌ رَضيَ اللهُ عنه يَقتُلُ بَعضَهم، ويَأسِرُ آخَرينَ، وفَعَلَ خالدٌ ذلك بسَببِ أنَّ المُشرِكينَ كانوا يَقولونَ في أوَّلِ الأمرِ لمَن أسلَمَ: الصَّابئُ، وهو مَن خرَجَ مِن الدِّينِ؛ لخُروجِ المُسلِمينَ عنِ الدِّينِ الَّذي كان عليه المُشرِكونَ، فكان المُشرِكونَ يَقولونَ للمُسلِمينَ: صابِئونَ؛ ذَمًّا وتَعْييرًا لهم على ذلك، فلمَّا سمِعَ خالدٌ تلك الكَلمةَ ظَنَّ أنَّهم خَرَجوا مِن دِينِهم إلى دِينٍ آخَرَ غَيرِ الإسْلامِ مِن يَهوديَّةٍ، أو نَصرانيَّةٍ، أو غَيرِهما.
ودفَعَ خالدٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى كُلِّ رَجلٍ مِن أصْحابِه أسيرًا، وأمَرَهم أنْ يَحتَفِظَ كلُّ واحدٍ بأَسيرِه، وفي يومٍ أمَرَهم أنْ يَقتُلَ كلُّ واحدٍ الأسيرَ الَّذي معَه. فقال عَبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه: واللَّهِ لا أقتُلُ أسيري، ولا يَقتُلُ رَجلٌ مِن أصْحابي أسِيرَه، حتَّى قَدِمْنا وأَتَيْنا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فذَكَرْنا له الأمرَ وما فعَلَ خالدٌ، فرفَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَديْهِ فقال: اللَّهُمَّ إنِّي أبرَأُ إليكَ مِمَّا صنَعَ خالدٌ، قال ذلك مرَّتَينِ، أي: أعتَذِرُ إليكَ ممَّا فعَلَ خالدٌ، أو إنِّي بَريءٌ مِن أنْ أكونَ قد رَضيتُ بما فعَلَ خالدٌ من قَتلِ هؤلاء؛ لأنَّه استَعجَلَ ولم يَتثبَّتْ في أمْرِهم، وليَعلَمَ النَّاسُ أنَّه لم يَأذَنْ له في ذلك؛ خَشْيةَ أنْ يَعتَقِدَ أحدٌ أنَّه كان بإذْنِه، وليَنزَجِرَ غيرُ خالدٍ بعْدَ ذلك عن فِعلِ مِثلِه.
ويدُلُّ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنَّ قَتلَ خالدٍ لهمْ كان حُكمًا منه بغَيرِ الحَقِّ، لكنْ عذَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه كان مُتأوِّلًا، فلا عُقوبةَ عليه، ولا إثْمَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ على مَن يَتأمَّرُ الجَيشَ ألَّا يَتسرَّعَ في القَتلِ بمَن يُلْقي إليه بالسِّلمِ، حتَّى يَتثبَّتَ منه، ويَفهَمَ عنه ما يُريدُ مِن قَولِه.