باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره
بطاقات دعوية
حديث أبي سعيد، قال: أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبنني وآنقنني: أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى
لقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينهلوا من علمه، وليهتدوا بهديه، وقد نقلوا لنا ما تعلموه منه صلى الله عليه وسلم؛ لنسير على دربه، وقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم كل خير في كل أمورهم
وفي هذا الحديث يذكر التابعي قزعة مولى زياد أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه -وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم (12) اثنتي عشرة غزوة- يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات تشتمل على قضايا وأحكام شرعية، وأن هذه الأربع قد أعجبنه وآنقنه، والكلمتان بمعنى واحد، وهو التعجب، وإنما جاز تكرار المعنى لاختلاف اللفظ، والعرب تفعل ذلك كثيرا للبيان والتأكيد، أو معنى «آنقه»: أفرحه وسره
فأول هذه الأربعة: منع المرأة من السفر مسيرة يومين بدون زوجها أو أحد محارمها، والمحرم للنساء: من حرمت عليه تحريما مؤبدا بسبب مباح لحرمتها؛ كالابن والأب، وابن الأخ وابن الأخت، والعم والخال، ونحو ذلك، وقد ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مسيرة يوم وليلة»، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مسيرة ثلاثة أيام»، ولا تناقض أو خلاف؛ لأن الكلام اختلف باختلاف السائلين والأشخاص، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا؛ فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام، أو يومين، أو يوما، أو نصف يوم، أو غير ذلك. وقصرت مرافقة المرأة في سفرها على الزوج وذي المحارم فقط؛ لكون ذلك أحفظ لنفسها وعرضها ومالها؛ لضعفها وقلة حيلتها؛ ولأن المرأة فتنة ومظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة، إلا فيما جبل الله النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب
ثانيها: النهي عن صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، ونهى عن صيام يوم الفطر؛ ليحصل الفصل بين الصوم والفطر، ويوم الأضحى؛ لأن فيه دعوة الله التي دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل منى وغيرهم بما شرع لهم من ذبح النسك والأكل منها، وسواء صامهما المسلم عن نذر، أو تطوع، أو كفارة، ولو نذر صومهما لم ينعقد نذره؛ لأنه نذر بمعصية
ثالثها: النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس قدر رمح، بما يقارب ربع ساعة أو ثلثها، وهذا باستثناء الصلوات ذوات الأسباب، كقضاء الفوائت، أو تحية المسجد، ونحو ذلك. وحكمة النهي عن هذين الوقتين؛ لأنهما الوقتان اللذان كان يصلي فيهما من يعبدون الشمس، ولأنهما الوقتان اللذان يقترب فيهما الشيطان من الشمس، فتكون بين قرنيه
رابعها: النهي عن شد الرحال -وهو السفر- إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وسمي بالأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة. وقوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» نفي، والمراد منه النهي، وهو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع؛ لاختصاصها بما اختصت به. والرحال: جمع رحل، وهو للبعير كالسرج للفرس، وكني بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل، والخيل، والبغال، والحمير، وغيرها من الوسائل المعاصرة، كالطائرة والسيارة ونحو ذلك.
واختصاص هذه الثلاثة بالأفضلية؛ لأن الأول فيه حج الناس وقبلتهم أحياء وأمواتا، والثاني أسس على التقوى وبناه خير البرية، زاده الله شرفا، والثالث قبلة الأمم السالفة
وفي الحديث: بيان ما للمرأة من مكانة عظيمة في الإسلام، وأنه رفع قدرها، وحافظ عليها، وأمر برعايتها في كل الأحوال؛ في الحضر والسفر
وفيه: بيان لأوقات النهي عن الصلاة
وفيه: بيان فضيلة المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها