باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم4-2
سنن الترمذى
حدثنا يوسف بن سلمان أبو عمر البصري قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل شيء شرة ولكل شرة فترة، فإن كان صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه»: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد روي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله»
مِن رحمةِ اللهِ تعالى بالمسلِمين أنْ جعَل لهم هذا الدِّينَ يُسْرًا، وقد حثَّنا نبيُّنا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على الاقتصادِ في العبادةِ مع الإخلاصِ فيها والتَّسديدِ والمقارَبةِ، ونَهانا عَن التَّشدُّدِ والتَّنطُّعِ والغُلوِّ، وعن الرِّياءِ والسُّمعةِ بالأعمالِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ لكلِّ شيءٍ"، أي: جميعِ الأشياءِ والأمورِ؛ كالعَملِ والعبادةِ والاجتهادِ، والحُبِّ والكُرهِ، وغيرِ ذلك، فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ لِجَميعِ هذه الأعمالِ "شِرَّةً"، أي: نَشاطًا وشدَّةً، وحِرصًا ورغبةً في أوَّلِها، "ولكلِّ شِرَّةٍ"، أي: لكلِّ نَشاطٍ ورغبةٍ "فَتْرةً"، أي: ضعفًا وخُمولًا وسكونًا في آخِرِه، "فإنْ كان صاحِبُها"، أي: صاحِبُ الشِّرَّةِ والنَّشاطِ والرَّغبةِ، "سَدَّد"، أي: لَزِم السَّدادَ وهو التَّوسُّطُ في الأعمالِ، "وقارَب"، أي: اقتَرَب مِن فِعْلِ الأكمَلِ والأفضَلِ، بأَنِ اقتَصَد فلم يَغْلُ، ولم يُقصِّرْ، وسلَك الطَّريقَ المستَقيمَ، واجتَنب جانِبَيْ إفراطِ الشِّرَّةِ وتَفْريطِ الفَترَةِ، "فارْجُوه"، أي: أَمِّلوا له نجاحَ أمْرِه وتمامَ ما دخَل فيه، وارْجُوا له النَّجاةَ والفَلَاحَ، والفوزَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، "وإنْ" كان صاحِبُ الشِّرَّةِ اجتَهَد وبالَغ في العَمَلِ وصارَ مَشهورًا، حتَّى "أشيرَ إليه بالأصابعِ"؛ لِشُهرتِه وانتشارِ صيتِه، "فلا تَعُدُّوه"، أي: لا تَحْسُبوه مِن الصَّالحين؛ لأنَّه مُراءٍ بعمَلِه لا يُريدُ وجهَ اللهِ سبحانه وتعالى، بل همُّه حبُّ الرِّئاسةِ والجاهِ في قلوبِ النَّاسِ، والشُّهرةُ بالعبادةِ والزُّهدِ.
وفي رِوايةٍ أخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فمَن كانت فَتْرتُه إلى سُنَّتي فقد اهتَدى، ومَن كانت فَترتُه إلى غيرِ ذلك فقد هلَك"، وسُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هي الاقتصادُ والتَّوسُّطُ، مع المُداوَمةِ والإخلاصِ للهِ وعدَمِ الرِّياءِ والسُّمعةِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّوسُّطِ والاقتِصادِ في العبادةِ وفي كلِّ الأمورِ.
وفيه: الحثُّ على الإخلاصِ للهِ في كلِّ الأمورِ مِن عملٍ وعبادةٍ.
وفيه: أنَّ حُبَّ الشُّهرةِ والجاهِ يُنافي الإخلاصَ للهِ تعالى.