باب صلاة الأوابين
بطاقات دعوية
عن القاسم الشيباني أن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (1). (م 2/ 171)
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم والتَّابِعون رَحِمهم اللهُ مِن أحرَصِ النَّاسِ على تَتبُّعِ هدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ ليَتعلَّموا هَدْيَه وسُنَّتَه، ثمَّ يُعلِّموه لمَن بعْدَهم، ولمَن سَألهم عن أحوالِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ مِن الصَّلاةِ والقيامِ، والتَّطوُّعِ وغيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابعيُّ القاسمُ بنُ عَوفٍ الشَّيبانيُّ أنَّ الصَّحابيَّ زَيدَ بنَ أرقَمَ رَضِي اللهُ عنه حِينما رَأى قَومًا يُصلُّون منَ الضُّحى -وفي رِوايةِ أحمَدَ: «رَأى قومًا يُصَلُّون في مَسجدِ قُباءَ مِن الضُّحى»- وكانوا يُصَلُّونها وقْتَ شُروقِ الشَّمسِ، كما في رِوايةٍ أُخرى لأحمَدَ، فقالَ زيدٌ رَضِي اللهُ عنه: «أمَا لَقدْ عَلِموا أنَّ الصَّلاةَ في غَيرِ هَذه السَّاعةِ أفضَلُ»، أي: إنَّ صَلاتَهُم لِلضُّحى في هذا التَّوقيتِ لَيسَتْ فاضِلةً؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: »صَلاةُ الأوَّابينَ»، أي: المُطِيعينَ والمُسبِّحينَ كَثيرِي الرُّجوعِ بالتَّوبةِ إلى اللهِ تعالَى والإخلاصِ في الطَّاعةِ، تكونُ »حينَ تَرمَضُ الفِصالُ»، أي: حينَ تَحترِقُ أخفافُ الفِصالِ مِن شِدَّة حرِّ الرِّمالِ، فالرَّمضاءُ شِدَّةُ حرِّ الأرضِ مِن وَقعِ الشَّمسِ عليها، وَالفِصالُ جَمعُ فَصيلٍ، وَهيَ الصِّغارُ مِن وَلدِ الإبلِ، وخَصَّ صِغارَ الإبلِ هنا بالذِّكرِ؛ لأنَّها هي الَّتي تَرمَضُ قبْلَ انتهاءِ شِدَّةِ الحرِّ؛ لرِقَّةِ جُلودِ أخفافِها، فتَنفصِلُ عن أُمَّهاتِها عندَ ابتداءِ شِدَّةِ الحَرِّ فتَترُكُها، ويكونُ ذلك في آخِرِ الوقتِ، فالصَّلاةُ في هذا الوَقتِ أفضلُ؛ لأنَّ النُّفوسَ تَميلُ في هذا التَّوقيتِ إلى الرَّاحةِ والدَّعةِ، وهذه مِن الصَّلواتِ الَّتي يُسَنُّ تَأخيرُها.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ صَلاةِ الضُّحى في آخِرِ الوَقتِ.
وفيه: إشارةٌ إلى اغتِنامِ العِبادةِ والانشغالِ بالطَّاعةِ في أوقاتِ الدَّعةِ والسُّكونِ والاستراحةِ.