باب الوصية بصلاة الضحى
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد. (م 2/ 158)
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أصحابَه ويُوصِيهم بكلِّ ما فيه الخيرُ في دِينِهم ودُنْياهم، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحُثُّهم ويُرغِّبُهم في أعمالِ التَّطوُّعِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أَوصاني خَليلي -يعني: رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والخليلُ: هو الصَّديقُ الخالِصُ الَّذي تَخلَّلَتْ مَحبَّتُه القلْبَ، فصارتْ في خِلالِه، أي: في باطنِه- بثَلاثِ وَصايا، والوَصيَّةُ هنا بمعْنى العَهْدِ والأمرِ المؤكَّدِ، قولُه: «لا أدَعُهنَّ حتَّى أموتَ»، يَحتمِلُ أنْ يكونَ هذا مِن الوَصيَّةِ، أي: أمَرَه ألَّا يَترُكَ العمَلَ بهنَّ حتَّى يَموتَ، ويَحتمِلُ أنَّ ذلك إخْبارٌ مِن أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه عن نفْسِه.
الوصيَّةُ الأُولى: صَومُ ثَلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ، وجاءتِ الأيَّامُ مُطلَقةً دونَ تَحديدٍ، فيَتخيَّرُ مِن الشَّهرِ ما شاءَ، وقيل: الأرغَبُ والأفضَلُ أنْ يَصومَ الثَّلاثةَ في وسَطِ الشَّهرِ، وهي المُسمَّاةُ بأيَّامِ البِيضِ، وهي الثالثَ عشَرَ، والرابعَ عَشَرَ، والخامسَ عَشَرَ مِن كلِّ شَهرٍ؛ للأحاديثِ الدالَّةِ عليها؛ ففي صِيامِهنَّ تَحصيلُ أجرِ صَومِ شَهرٍ كاملٍ، باعتِبارِ أنَّ الحَسنةَ بعَشْرِ أمثالِها، فمَن صامَهنَّ مِن كلِّ شَهرٍ كان كمَن صامَ الدَّهرَ كلَّه.
والوصيَّةُ الثَّانيةُ: صَلاةُ الضُّحى، وتُسمَّى أيضًا صَلاةَ التَّسبيحِ، وهي الصَّلاةُ المؤدَّاةُ في وَقتِ الضُّحَى نافلةً، ووقْتُ صَلاةِ الضُّحى بعْدَ شُروقِ الشَّمسِ قدْرَ رُمْحٍ، ويُقدَّرُ في المواقيتِ الحديثةِ بمِقدارِ رُبعِ ساعةٍ بعْدَ الشُّروقِ، ويَمتدُّ وَقتُها إلى ما قبْلَ الظُّهرِ برُبعِ ساعةٍ أيضًا، وأقلُّها رَكعتانِ، واختُلِفَ في أكثَرِها؛ فقِيل: ثَماني رَكعاتٍ، وقيل: لا حَدَّ لأكثَرِها.
والوصيَّةُ الثَّالثةُ: الوِتْرُ، وهو صَلاةُ آخِرِ اللَّيلِ، وهي صَلاةٌ تُؤدَّى مِن بعْدِ صَلاةِ العِشاءِ إلى طُلوعِ الفَجرِ؛ سُمِّيَت بذلك لأنَّها تُصلَّى وِترًا؛ رَكعةً واحدةً، أو ثلاثًا، أو أكثَرَ، وقد أَوْصى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا هريرةَ رَضيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ بصَلاتِها قبْلَ النَّومِ، ولعلَّه أوصاهُ بذلك؛ لأنَّه خاف عليه فَوتَ الصَّلاةِ بالنَّومِ، قيل: لا مُعارَضةَ بيْنَ وَصيَّةِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه بالوتْرِ قبْلَ النَّومِ، وبيْن حَديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها المُتَّفقِ عليه: «وانْتَهى وِترُه إلى السَّحَرِ»؛ لأنَّ الأوَّلَ لإرادةِ الاحتياطِ، والآخَرَ لمَن عَلِمَ مِن نفْسِه قُوَّةً.
وفي الحديثِ: أنَّ مَن خاف فَواتَ الوِترِ، فالأفضلُ له أنْ يُصَلِّيَه قبْلَ أنْ يَنامَ.
وفيه: الافتخارُ بصُحبةِ الأكابرِ إذا كان ذلك على معْنى التَّحدُّثِ بالنِّعمةِ والشُّكرِ للهِ تعالَى، لا على وَجْهِ المُباهاةِ.