باب صلاة الكسوف
بطاقات دعوية
حديث عائشة، قالت: خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ سورة طويلة، ثم ركع فأطال، ثم رفع رأسه، ثم استفتح بسورة أخرى ثم ركع حتى قضاها وسجد، ثم فعل ذلك في الثانية، ثم قال: إنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى يفرج عنكم لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة، حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي، وهو الذي سيب السوائب
الشمس والقمر آيتان من مخلوقات الله سبحانه الدالة على عظمته، ويخضعان لقدرته وسلطانه، وفي الكسوف والخسوف آيات وعبر على القدرة الإلهية المطلقة، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نلجأ إلى الله عز وجل بالصلاة والدعاء والتضرع عند وقوع هذه الظاهرة حتى تنكشف
وفي هذا الحديث تخبر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الشمس خسفت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخسوف الشمس: ذهاب ضوئها، وأكثر ما يعبر عن الشمس بالكسوف، وعن القمر بالخسوف، ويعبر بأحدهما عن الآخر، وهذا ما وقع في هذه الرواية
فلما وقع الخسوف صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وأطال فيهما، فقام صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، فقرأ سورة طويلة نحوا من سورة البقرة، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وجهر في قراءته، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، ثم ركع صلى الله عليه وسلم فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فاستفتح بالفاتحة وقرأ سورة أخرى، ثم ركع ركوعا ثانيا في الركعة نفسها، حتى قضاها وفرغ من الركعة وسجد، فأتم صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى بقراءتين وركوعين وسجدتين، وأطال في جميع ذلك، ثم فعل مثل ذلك في الركعة الثانية، ووقع في روايات أخرى في الصحيحين أن كل هيئة من هيئات الصلاة كانت أخف قليلا مما قبلها، ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد أن فرغ من صلاته، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وفي زيادة في الصحيحين: «لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته»، وفي هذا رد لما كان قد توهمه بعض الناس من أن كسوف الشمس كان لأجل موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد مات وكسفت الشمس، ثم وجههم صلى الله عليه وسلم إلى ما هو واجب عليهم إذا رأوا هذه الآيات، فقال: فإذا رأيتم ذلك -يعني: الخسوف أو الكسوف- فصلوا حتى يفرج عنكم
وقد حدث أثناء صلاته صلى الله عليه وسلم أنه تقدم ومد يده كأنه يريد أن يتناول شيئا، ثم تراجع للوراء كأنه يحاذر من شيء، فبين صلى الله عليه وسلم أنه رأى كل شيء وعده الله، ورأى الجنة والنار رؤيا عين أثناء قيامه كشف له عنهما، فرآهما على حقيقتهما، وأنه تقدم ومد يده لما رأى الجنة، وأراد أن يتناول منها عنقودا، ولم يشأ الله أن يأخذه صلى الله عليه وسلم؛ لأن طعام الجنة باق أبدا لا يفنى، ولا يجوز أن يؤكل في الدنيا إلا ما يفنى؛ لأن الله خلقها للفناء، فلا يكون فيها شيء من أمور البقاء. ولما رأى النار تراجع للوراء، ورآها صلى الله عليه وسلم يحطم بعضها بعضا، يعني: يكسر بعضها بعضا، وهو بيان لشدة نارها، ورأى في جهنم عمرو بن لحي، وهو أول من أدخل على العرب عبادة الأصنام، وأفسد عليهم شريعة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وابتدع في دين الله ما ليس منه، ومن بدعه التي ابتدعها أنه سيب السوائب، جمع سائبة، وهي ناقة لا تركب ولا تحبس عن كلأ وماء؛ لنذر صاحبها: إن حصل ما أراد -من شفاء المريض، أو غيره- أنها سائبة قربانا لآلهتهم، فنال جزاء ما صنع. وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم رآه يجر قصبه -يعني: أمعاءه- في النار
وفي الحديث: المبادرة إلى طاعة الله عز وجل عند حصول ما يخاف منه وما يحذر، وطلب دفع البلاء بذكر الله تعالى وتمجيده وأنواع طاعته
وفيه: مشروعية صلاة الكسوف والخسوف، وبيان صفتها
وفيه: معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من نصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم مما يضرهم