باب صلح الحديبية في الحديبية

بطاقات دعوية

باب صلح الحديبية في الحديبية

حديث البراء بن عازب، قال: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية، كتب علي بينهم كتابا، فكتب: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولا لم نقاتلك، فقال لعلي: امحه فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا بجلبان السلاح فسألوه: ما جلبان السلاح فقال: القراب بما فيه

لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين الأذى، ومنعوه من البيت الحرام، وقد صبر صلى الله عليه وسلم حتى مكن الله سبحانه له، وأثبتت الأيام تأييده بالوحي ورجاحة عقله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية
وفي هذا الحديث يخبر البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة هو وأصحابه في السنة السادسة من الهجرة متوجها إلى مكة يريد العمرة، وكان ذلك في ذي القعدة، فرفض أهل مكة أن يدخلها حتى صالحهم على أن يرجع في عامه هذا، ثم يعود العام المقبل، وعلى أن يقيم بمكة ثلاثة أيام فقط. وسمي صلح الحديبية، وهي قرية كبيرة سميت ببئر هناك، وتعد الآن ضاحية من ضواحي مكة
فلما كتبوا الكتاب -والمراد به المعاهدة- كان مما كتبوه وتصالحوا عليه: «هذا ما قاضى عليه»، أي: هذا هو العهد الذي صالح عليه وعقده «محمد رسول الله»، فقالوا: لو كنا نعلم ونؤمن برسالتك ما منعناك عن البيت، ولكن الذي نعرفه عنك أنك محمد بن عبد الله، الذي هو اسمك واسم أبيك المعروف عندنا، فقال: «أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله»، فلا مانع من كتابة أيهما، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه -وكان كاتب المعاهدة-: أن يمحو كلمة «رسول الله» من الصحيفة، فامتنع علي رضي الله عنه عن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في أمره، وهذا ليس عصيانا منه، ولكن إعظاما وتقديرا ونصرة له أمام المشركين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، فمحاها بيده بعد أن أشار له علي رضي الله عنه إليها؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ثم أمر عليا رضي الله عنه، فكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله»، أي: ما صالح عليه، وهو أنه لا يدخل مكة سلاح يحمله أحد إلا محفوظا في جرابه، وألا يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بأحد من أهلها إن أراد أن يتبعه على الإسلام بل يبقيه في مكة، وألا يمنع أحدا من أصحابه أراد أن يقيم بمكة، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تحلل هو وأصحابه من عمرتهم تلك، كما ثبت في الروايات، ثم عاد في العام التالي ودخل مكة، وسميت عمرتهم تلك بعمرة القضاء أو القضية، فلما انتهت الثلاثة أيام مدة إقامتهم بمكة على حسب ما جاء في المعاهدة، جاء المشركون إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وطلبوا منه أن يبلغ صاحبه -يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- بالرحيل، فتبعتهم ابنة حمزة بن عبد المطلب -واسمها أمامة، وقيل: فاطمة- تريد أن ترحل معهم إلى المدينة، فتناولها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأخذ بيدها -وذلك لأنها كانت صغيرة- وقال لفاطمة رضي الله عنها زوجته وبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: دونك ابنة عمك، أي: خذيها، فحملتها فاطمة رضي الله عنها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم، وأراد كل واحد منهم أن يأخذها، فأما زيد رضي الله عنه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين حمزة رضي الله عنه، وأما علي رضي الله عنه؛ فلأنها ابنة عمه، وأما جعفر رضي الله عنه فهي بنت عمه، وزوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها خالتها، وكنى عن ذلك بقوله: «وخالتها تحتي». فحكم صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، أي: أنها بمنزلة الأم في الحضانة والعطف والرعاية، وقال لعلي رضي الله عنه: «أنت مني وأنا منك» في النسب والمحبة والأسبقية إلى الإسلام، إلى غير ذلك من الفضائل. وقال لجعفر رضي الله عنه: «أشبهت خلقي» وهو الصورة الظاهرة، «وخلقي» وهو الصورة الباطنة من الأخلاق والفضائل، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، أي: أخونا في الإسلام وعتيقنا، والولاء لحمة كلحمة النسب، ومناسبة هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم للثلاثة: أن فيه جبرا  لعلي وزيد رضي الله عنهما، وتطييب لقلوبهما؛ حيث حرما مقصودهما من أخذ الصبية، وأما جعفر رضي الله عنه، فقد حصل له مقصوده من أخذ الصبية، وأن الصبية لم يحكم بها في الحقيقة لجعفر، ولكن استحقتها  الخالة
قيل: هذا الحديث أصل في باب الحضانة؛ وهو القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه، وبوقايته عما يهلكه
وعرض علي بن أبي طالب أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من بنت حمزة رضي الله عنهما، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تحل له؛ فأبوها حمزة بن عبد المطلب أخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قد أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وفي الحديث: مشروعية الصلح مع الكفار، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات السياسية والعسكرية معهم لصالح المسلمين
وفيه: أن للخالة حقا في الحضانة
وفيه: فضل ومنقبة لكل من علي وجعفر وزيد رضي الله عنهم
وفيه: أن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ الرجل بنفسه في المكاتبات والرسائل بين الناس
وفيه: تنازل القائد عن بعض حقوقه المعلومة للجميع حتى يتم الصلح