باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب 2

بطاقات دعوية

باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب 2

عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي. (م 3/ 138

للصِّيامِ أحكامٌ يَنبغِي للمُسلمِ أنْ يَعلَمَها ويَعمَلَ بها، وقد بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم واجباتِه وسُننَه ومَكروهاتِه بالقولِ والفعلِ.
وفي هذا الحديثِ تَرْوي أمُّ المؤمنينَ عائشَةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّ رَجلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَستَفتيهِ في مَسألةٍ تخُصُّ طَهارةَ الصَّائمِ مِن الجَنابةِ، وكانت عائشَةُ رَضِي اللهُ عنها وَراءَ البابِ تَسمَعُ، فأخبَرَ الرَّجلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ صَلاةَ الفَجرِ تُدرِكُه وهو جُنبٌ، فهلْ يَصومُ على حالِ الجَنابةِ ثمَّ يَغتسِلُ بعْدُ؟ وتُطلَقُ الجَنابةُ على كُلِّ مَن أَنزَلَ المَنِيَّ أو جامَعَ، وسُمِّيَ بذلك لاجتِنابِه الصَّلاةَ والعباداتِ حتَّى يَتطَّهَّرَ مِنها، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «وَأَنا تُدرِكُني الصَّلاةُ وأَنا جُنبٌ، فَأَصومُ» وقدْ أجابه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالفعلِ؛ لأنَّه أبلَغُ ممَّا لو قال: اغتَسِلْ وصُمْ، وهذا بَيانٌ لمَشروعيَّةِ صِيامِ الجُنبِ قبْلَ الاغتسالِ؛ وذلك أنَّ حُدوثَ الجَنابةِ قبْلَ الفجرِ لا تَمنَعُ مِن عقْدِ نِيَّةِ الصِّيامِ ولا تَقطَعُه، فَقالَ الرَّجلُ: «لَسْتَ مِثلَنا يا رَسولَ اللهِ؛ قَدْ غَفرَ اللهُ لَكَ ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأخَّرَ»، أي: إنَّ هذا مِن خَصائصِكَ، ولَيس عليك حرَجٌ فيما تَفعَلُ، وفي رِوايةِ أبي داودَ: «فَغَضِبَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم»، وإنَّما غَضِبَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لاعتقادِ الرَّجلِ الخُصوصيَّةَ بلا عِلمٍ، مع كونِه أخبَرَه بفِعلِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جَوابًا لسُؤالِه، وقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «وَاللهِ، إِنِّي لَأرجو أنْ أَكونَ أَخشاكُم لِلهِ»، أي: أكونَ أشَدَّكم خَشيةً مِن عُقوبتِه، «وأَعلمَكُم بِما أَتَّقي»، أي: أكونَ أكثَرَكم عِلمًا بما أتَّقِي به اللهَ سُبحانه، ورَجاؤه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُحقَّقٌ باتِّفاقٍ، وهَذا فيهِ إنكارٌ على مَن نَسَبَ لَه التَّقصيرَ في العِبادةِ لِلاتِّكالِ على المَغفرَةِ.