باب صوم يوم عاشوراء
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه [قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تستر فيه الكعبة 2/ 159]، فلما- فرض (وفي رواية: نزل 5/ 155) رمضان؛ [كان رمضان الفريضة، و] ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه. (وفي رواية: حتى فرض رمضان، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر" 2/ 226)
يومُ عاشوراءَ اليومُ العاشِرُ مِن شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، وهو مِن أيَّامِ اللهِ المُبارَكةِ؛ نَجَّى اللهُ عزَّ وجلَّ فيه نَبيَّه مُوسى عليه السَّلامُ مِن فِرعونَ وجُندِه، وعَظَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا اليومَ، فصامَه وأمَرَ المسلِمينَ بصِيامِه؛ شُكرًا للهِ، وقدْ مرَّ صِيامُ عاشوراءَ بمَراحلَ تَشريعيَّةٍ مُختلِفةٍ كما في هذا الحديثِ وغيرِه.
فتُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ قُرَيشًا كانت تصومُ يومَ عاشُوراءَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُه قبل أن يُهاجِرَ إلى المدينةِ، فلمَّا قدِمَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ صامَه على عادتِه، وأمَرَ النَّاسَ بِصيامِه. وقد ورَدَتْ رِواياتٌ أخرى -لا تُعارِضُ هذه الرِّوايةَ- في أسبابِ صِيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عاشُوراءَ؛ منها ما جاء في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّه يَومٌ نجَّى اللهُ فيه مُوسَى مِن فِرعَونَ، وكانت تَصومُه اليَهُودُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنا أَوْلَى بِمُوسَى مِنهم، فصامَه».
وقَولُ أمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها في الحَديثِ: «وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ» يَحتمِلُ أنَّ حُكْمَه كان الوُجوبَ والفرضيَّةَ، ثمَّ نُسِخَ الحُكمُ إلى الاستِحبابِ. وقيل: إنَّ هذا كان تَأكيدًا على الصِّيامِ، وليس في حُكْمِ الوُجوبِ؛ لحَديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما المُتَّفَقِ عليه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «هذا يومُ عاشوراءَ، ولم يَكتُبِ اللهُ عليكم صِيامَه، وأنا صائمٌ، فمَن شاء فلْيَصُمْ، ومَن شاء فلْيُفطِرْ».
وكان هذا هو الحالَ والشَّأنَ إلى أنْ فُرِضَ صَومُ رَمَضانَ على المُسلمينَ في السَّنَةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجرةِ، فكانتِ الفريضةُ صَومَ رمَضانَ فَقطْ، وأصْبَحَ صَومُ عاشوراءَ مُخيَّرًا فيه: مَن شاءَ صامَه نفْلًا، ومَن شاءَ تَرَكَه.
وقد جاء في فَضْلِ صيامِه أنَّه يُكفِّر ذُنوبَ سَنةٍ قَبْلَه، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه.
وقد روَى مُسلِمٌ في صَحيحِه عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ السُّنَّةَ أنْ يَصومَ المُسلِمُ اليومَ التَّاسعَ معه؛ مُخالفةً لليهودِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أهمِّيةِ يَومِ عاشوراءَ، وتَعظيمِ المُسلِمينَ له.
وفيه: بيانُ وُقوعِ النَّسخِ في الشَّريعةِ المحمَّديَّةِ.