باب صيد الكلب1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الضحاك بن مخلد، حدثنا حيوة ابن شريح، حدثني ربيعة بن يزيد، أخبرني أبو إدريس الخولاني
عن أبي ثعلبة الخشني، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل كتاب، نأكل في آنيتهم، وبأرض صيد، أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما ما ذكرت أنكم في أرض أهل الكتاب، فلا تأكلوا في آنيتهم، إلا أن لا تجدوا منها بدا، فإن لم تجدوا منها بدا فاغسلوها وكلوا فيها، وأما ما ذكرت من أمر الصيد، فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك المعلم، فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم، فأدركت ذكاته، فكل" (1)
كانَ الصَّحابةُ رَضي اللهُ عنهم يَحرِصون على سُؤالِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كُلِّ ما يَنفَعُهُم في دِينهِم ودُنياهُم.
وفي هذا الحَديثِ يَسألُ أبو ثَعلَبَةَ الخُشَنيُّ رضِيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن مَسألَتَينِ؛ الأولى: عن حُكمِ الأكلِ في آنيةِ أهلِ الكِتابِ -وهو اسمٌ يُطلَقُ على كلٍّ من اليهودِ والنَّصارى- وكان بأرضِ الشَّامِ، وكان جماعةٌ من قبائِلِ العَرَبِ قد سكنوا الشَّامَ، وتنصَّروا؛ منهم آلُ غَسَّان، وتَنُوخ، وبَهْز، وبطونٌ من قُضاعةَ، منهم بنو خشين، وآل أبي ثَعلبةَ، والمرادُ بالآنيةِ في كلامِ أبي ثَعلبةَ رَضِيَ اللهُ عنه الآنيةُ التي يُطبَخُ فيها لحمُ الخِنزيرِ، ويُشرَبُ فيها الخَمرُ.
أمَّا المَسألَةُ الثَّانيةُ فقال: إذا كنت في أرضٍ يُوجَدُ بِها صَيدٌ أَصيدُ بِقَوسي، وَهوَ الآلَةُ الَّتي يُصادُ بِها، وَبِكلْبي الَّذي لَيسَ بمُدَرَّبٍ على الصَّيدِ، وَبِكَلبي المُعلَّمِ، وهوَ الَّذي تَدرَّبَ على الصَّيدِ؛ فَما يَصلُحُ لي أكْلُهُ مِنَ الصَّيدِ؟
فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حُكمِ الأكلِ مِن آنيةِ أهلِ الكِتابِ بقَولِه: فإنْ وَجدْتُم غَيرَها مِنَ الآنيَةِ فَلا تَأكُلوا فيها، وإنْ لَم تَجِدوا فَاغسِلوها غَسلًا جَيِّدًا وكُلوا فيها.
وفي المسألةِ الثانيةِ: ما صادَهُ قَوسُك فذَكرْتَ اسمَ اللهِ فهوَ حَلالٌ، فَكُلْ، وما تَصَيَّدَه بكَلبِكَ المُعلَّمِ، فَذكَرْتَ اسمَ اللهِ عِندَ إرسالِه فكُلْ، وَما صِدتَ بِكَلبِك غَيرِ المُعلَّمِ، فأدرَكتَه حيًّا وذَبحْتَه، فَكُلْ منه. وأمَّا ما يصيدُه الكَلبُ غيرُ المعَلَّمِ ويموتُ قبل التذكية، فلا يُؤكَلُ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ مُعاملةِ أهلِ الكتابِ ومُخالطتِهم مع الالْتزامِ بتعاليمِ الشَّرعِ.
وفيه: بيانُ أنَّ شرْطَ الأكلِ مِن صيدِ الكلبِ المُعلَّمِ هو ذِكرُ اسمِ الله عليه، وأنَّ حياةَ الصيدِ وذَبْحَه وذِكر اسمِ الله عليه شرْطٌ للأكْل من صَيدِ الكلبِ غيرِ المعلَّمِ.
وفيه: طهارةُ الآنيةِ المُتنجِّسةِ بالغَسْلِ.
وفيه: التسميةُ وذِكرُ اللهِ على آلةِ الصَّيدِ عند إطلاقِها.