باب ضرب النساء 3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر
عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربن إماء الله" فجاء عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، قد ذئر النساء على أزواجهن، فأمر بضربهن. فضربن فطاف بآل محمد - صلى الله عليه وسلم - طائف نساء كثير، فلما أصبح قال: "لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة، كل امرأة تشتكي زوجها، فلا تجدون أولئك خياركم" (2).
وضَع الإسلامُ للزَّواجِ والأُسرةِ المُسلمةِ ضَوابطَ مُهمَّةً؛ ليعيشَ النَّاسُ في هُدوءٍ وراحةِ بالٍ، وأوضَحَ حُقوقَ وواجِباتِ كلٍّ مِن الزَّوجِ والزَّوجةِ، وأمَرَ الجميعَ بالمُعاشرةِ بالمعروفِ، ومن ذلِك نَهْيُ الزَّوجِ عن ضَرْبِ الزَّوجةِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا أو إهانةِ زَوجتِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ إياسُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي ذُبابٍ رضِيَ اللهُ عنه: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تَضْرِبُنَّ إماءَ اللهِ"، وهذا نهيٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه وللأُمَّةِ بعدَهم عن ضَرْبِ نِسائِهم، قال: "فجاء عمرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، قد ذَئِرَ النِّساءُ على أزواجِهنَّ" أي: نَشَزَن واجْتَرَأن على أزواجِهنَّ ، "فأمَرَ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "بضَربِهنَّ، فضُرِبْنَ، فطاف بآلِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طائفُ نِساءٍ كَثير"، أي: جاء ونزَلَ عندَ زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نساءٌ كثيرٌ قد ضُرِبْنَ ضربًا مُبَرِّحًا، "فلمَّا أصبَحَ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "قال: لقد طاف اللَّيلةَ بآلِ مُحمَّدٍ سَبعونَ امرأةً، كلُّ امرأةٍ تَشْتكي زَوجَها، فلا تَجِدُونَ أولئك خيارَكم"، أي: الَّذين يُبالِغونَ في الضَّربِ ويُكثِرونَ منه ليسوا مِن خيارِكم ولا أفضلِكم.
وكان نهيُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ضَرْبِ النِّساءِ قبْلَ نُزولِ آيةِ النِّساءِ والَّتي فيها: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]، فلمَّا أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بضَربِهنَّ نزَلَ القُرآنُ مُوافِقًا له.
وضَرْبُ الزَّوجةِ وتأديبُها لا يخلو مِن حالتينِ؛ الحالةُ الأُولى: أنْ يَضرِبَ الزَّوجُ زَوجتَه لحَقِّ اللهِ تبارَكَ وتعالى؛ كضَرْبِها لأجْلِ تَقصيرِها في أمْرِ الطَّهارةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ ونحوِ ذلك، فيُسْتَحَبُّ له ذلك. الحالةُ الثَّانيةُ: أنْ يكونَ ضَرْبُ الزَّوجِ زَوجتَه لحَقِّ نفْسِه؛ كضرْبِها لأجْلِ النُّشوزِ والعِصيانِ في حُقوقِ النِّكاحِ، فيُباح له ذلك، ولكن لا يجوزُ له أنْ يَضرِبَها إلَّا أنْ يتحقَّقَ أنَّه لا عُذْرَ لها في الامتناعِ منه في ذلك الوقتِ، وإنَّما تذهَبُ إلى الإضرارِ به في مَنعِه بما أحلَّه اللهُ له مِن الاستمتاعِ بها؛ لقولِه تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]؛ على أنَّ الأَوْلى والأفضلَ للزَّوجِ شَرعًا العفوُ عن زَوجتِه وعدَمِ ضَرْبِها؛ إبقاءً للمودَّةِ والرَّحمةِ في الحياةِ الزَّوجيَّةِ، ويُؤَيِّدُ هذه الأفضليَّةَ في تَرْكِ ضَرْبِ الزَّوجةِ ما جاء في صحيحِ مُسلِمٍ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: أنَّه "ما ضرَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ".