باب: طلاق السنة 1
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنه قال: «طلاق السنة تطليقة وهي طاهر في غير جماع، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم تعتد بعد ذلك بحيضة» قال الأعمش: سألت إبراهيم فقال مثل ذلك
شرَعَ اللهُ الطَّلاقَ لِمَا قد يحدُثُ بين الزَّوجينِ مِن شِقاقٍ، وعدمِ استِقرارٍ، وغيرِ ذلك مِن دَواعٍ تتنافَى فيها المودَّةُ أو حُسنُ العِشرةِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه: "طلاقُ السُّنَّةِ"، أي: الَّذي يكونُ مُوافِقًا للسُّنَّةِ في إيقاعِه، فلا حُرمةَ فيه ولا كَراهةَ، ويَنفُذُ، وتَترتَّبُ عليه آثارُه، وهي انقطاعُ الزَّوجيَّةِ بين المُطلِّقِ والمُطلَّقةِ، وقولُه: "طلاقُ السُّنَّة"، هو تمييزٌ له عن الطَّلاقِ البِدعيِّ، وهو: الذي يقَعُ في الحيضِ أو النِّفاسِ، أو في طُهرٍ جامَعها فيه، وكذلك الذي يُطلِّقُ ثلاثًا دفعةً واحدةً. "تطليقةٌ وهي طاهرٌ"، أي: أن يُطلِّقَها في حالِ طُهْرِها مِن حَيضٍ أو نفاسٍ، "في غيرِ جِماعٍ"، أي: ألَّا يكونَ قد جامَعَها في ذلك الطُّهرِ الَّذي طلَّقَها فيه، "فإذا حاضَتْ وطهُرَتْ"، أي: فإذا جاءَتْ فترةُ الحَيْضِ، وطهُرَتْ مِن ذلك الحيضِ "طلَّقَها أُخرى"، أي: طلَّقَها طلقةً ثانيةً، "فإذا حاضَتْ وطهُرَتْ طلَّقَها أُخرى"، أي: إذا طهُرَتْ مِن الحيضةِ الثَّالثةِ طلَّقها الثَّالثةَ. والمقصودُ: أنَّ كلَّ طَلقةٍ مِن الثَّلاثِ تقَعُ في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه، أي: لا تقَعُ الثَّلاثُ مرَّةً واحدةً في طُهْرٍ واحدٍ، وإنَّما تكونُ في أَطهارٍ مُختلِفةٍ، فإذا طلَّقها الثَّالثةَ، تكونُ قد بانَتْ منه؛ فلا تَحِلُّ له حتَّى تَنكِحَ زَوجًا غيرَه، "ثمَّ تعتَدُّ بعدَ ذلك بحَيضةٍ"، أي: ثمَّ تُتِمُّ استبِراءَ رحِمِها واستكمالَ عِدَّتِها بحَيْضةٍ
وفي رِوايةٍ أخرى عند البَيهقيِّ عن ابن مسعودٍ أيضًا، قال: "فإنْ شاءَ راجَعَ وإنْ شاءَ طلَّق"، أي: عِندَ الطَّلقةِ الثالثةِ؛ فتَعتدُّ المرأةُ بطُهرٍ واحدٍ بعدَ تِلكَ الطَّلقةِ وتُصبِحُ بتلك المدَّةِ قد حلَّتْ مِن عِدَّتِها، والمرادُ مِن طلاقِ السنَّة في هذا الحديث: طلاقُ الثَّلاثِ؛ كيف يقَعُ ويتميَّزُ عن الطلاقِ البِدعيِّ
وجُمهورُ الصحابةِ والعلماءِ يَرونَ إفرادَ الطلقةِ، يعني: تَطليقَ المرأةِ تطليقةً واحدةً وترْكَها حتى تَنتهيَ عِدَّتُها ثلاثةَ قُروءٍ في غيرِ حمْل، أو أن تَضَعَ حمْلَها إنْ كانتْ ذاتَ حَمْلٍ، وقد قال تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، والمعنى: أن يُطلِّقَ الرجلُ زوجتَه في طُهرٍ لم يُجامِعْها فيه ثم يَدعَها حتَّى تَنقضيَ عِدَّتُها أو يُراجِعَها إنْ شاء؛ لما ورَدَ في الصَّحيحينِ مِن حديثِ ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّه طلَّق امرأتَه وهي حائضٌ، فذَكَر عُمرُ لرَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فتغيَّظ فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قال: ليُراجِعْها، ثم يُمسِكْها حتى تَطهُرَ، ثم تحيضَ فتَطهُرَ، فإنْ بدَا له أنْ يُطلِّقَها فلْيُطلِّقْها طاهرًا قبل أن يَمسَّها؛ فتِلك العِدَّةُ كما أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ"