باب عتق الأمة وتزويجها 1
بطاقات دعوية
عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (1) في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لأرى بياض فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس (2) قال وأصبناها عنوة (3) وجمع السبي فجاءه دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال ادعوه بها قال فجاء بها فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خذ جارية من السبي غيرها قال وأعتقها وتزوجها فقال له ثابت (4) يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عروسا (5) فقال من كان عنده شيء فليجئني به قال وبسط نطعا (6) قال فجعل الرجل يجيء بالأقط وجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (م 4/ 145 - 146)
النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو القُدوةُ والمُعلِّمُ للأمَّةِ، وهَدْيُه مصدرٌ لنا، نَستمِدُّ منه بيانَ الهُدَى والرَّشادِ في أمورِ السِّلمِ والحربِ، وقدْ فتَح رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيبرَ في سَنةِ سَبْعٍ مِن الهجرةِ، وكانت قريةً يَسكُنُها اليهودُ على بُعدِ «173 كم تَقريبًا» مِن المدينةِ مِن جهةِ الشَّامِ، وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غزَا خَيْبرَ، وأنَّهم صَلَّوْا بقُرْبِ خَيْبرَ صلاةَ الصُّبحِ في أوَّلِ وقتِها والظَّلامُ قائمٌ، ثمَّ ركِب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وركِب أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه دابَّتَه، وكان أنسٌ يَركَبُ خلْفَ أبي طَلْحةَ الأنصاريِّ زَوجِ أُمِّه وهي أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها، فأَجْرى نبيُّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دابَّتَه الَّتي يَركَبُها للإسراعِ والجَرْيِ في زُقاقِ خَيبرَ، و«الزُّقاقُ»: الطَّريقُ الضَّيِّقُ الَّذي يَكونُ بيْن البُيوتِ، فانْكَشَف الإزارَ عن فخِذِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك بسببِ سرعةِ الجَرْيِ في طُرقِ خَيبرَ، و«الإزارُ»: الثَّوبُ الذي يُغطِّي الجزءَ الأسفلَ مِن الجسَدِ. حتَّى رأى أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه بَياضِ فَخِذِ نبيِّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. «فلمَّا دخَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبرَ، قال: اللهُ أكبَرُ، خرِبَتْ خَيْبرُ، وفتَحَها اللهُ لنا، «إنَّا إذا نزَلْنا بساحةِ قَومٍ»، والسَّاحةُ: هي المكانُ الواسعُ عندَ الدُّورِ، «فَسَاءَ»، أي: قَبُح صَباحُ المُنذَرينَ، قالها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثًا؛ استِبشارًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما فُتِح مِن خَيبرَ.وقد كان الحالُ في خَيْبرَ عندَ دُخولِها أنَّ أهلَ خَيبرَ كانوا خارجينَ إلى أعمالِهم، حيث كانوا أهلَ زَرعٍ وحَرْثٍ، فقالوا: مُحمَّدٌ والخَميسُ، يعني: الجيشَ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يَشتملُ على مقدَّمةٍ، وسَاقةٍ، أي: مؤخَّرةٍ، وقلبٍ، ومَيْمنةٍ، ومَيْسَرةٍ، فهذه خمسةُ أجزاءٍ.ثمَّ أخبَر أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ المُسلمينَ أخَذوا خَيبرَ قَهْرًا وغلَبةً، وليس صُلْحًا، فلمَّا «جُمِع السَّبيُ»، أي: الأسرى مِن الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ؛ جاء دِحْيةُ الكلْبيُّ، فطلَب جاريةً، قائلًا: يا نبيَّ اللهِ، أَعْطِني جاريةً مِن السَّبْيِ، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذهَبْ فخُذْ جاريةً، فأخَذ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ، فأخبَر رجُلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها لا تَصلُحُ إلَّا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّها سيِّدةُ قُرَيْظةَ والنَّضيرِ، فأمَرَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يَستَدْعوا دِحْيةَ والجاريةَ الَّتي أَخَذها مِن السَّبْيِ، فجاء بها، فلمَّا نَظَر إليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لدِحْيةَ: خُذْ جاريةً مِن السَّبيِ غَيْرَها، ثمَّ أعتَقَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتزَوَّجها، والعِتقُ هو التَّحريرُ مِن عبوديَّةِ الرِّقِّ، وكان هذا العِتقُ هو مَهْرَها، حتَّى إنَّ ثابتًا البُنَانيَّ -مِن التَّابعينَ- سَأل أنسًا رَضيَ اللهُ عنه عن صَداقِها الَّذي تزَوَّجها به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قائلًا: يا أبا حمزةَ، ما أَصْدَقَها؟ قال: نَفْسَها؛ أَعْتَقَها وتزَوَّجَها، حتَّى إذا كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطريقِ الرَّجعةِ إلى المدينةِ، جهَّزَتْها له أمُّ سُلَيمٍ، فهيَّئتْها وزيَّنتْها، فأهدَتْها له مِن اللَّيلِ، فزفَّتْها أمُّ سُلَيمٍ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَما دخَلَ اللَّيلُ، فأصبَح النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَرُوسًا، بزَواجِه مِن صَفيَّةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابِه: مَن كان عندَه شَيءٌ مِن طعامٍ فلْيَجِئْ به، ثمَّ فَرَش على الأرضِ بِساطًا مِن الجِلدِ يُوضَعُ عليه الطَّعامُ يُشبِهُ السُّفرةَ، فجمَع ما عندَ النَّاسِ مِن التَّمرِ والسَّمنِ، والسَّويقِ، وهو الدَّقيقُ النَّاعمُ، فصنَعوا الحَيْسَ، وهو خليطُ التَّمرِ والسَّمْنِ والدَّقيقِ، فكانتْ وَليمةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وَطعامَ عُرْسِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.قيل: إنَّ الوجْهَ الَّذي أخَذ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفيَّةَ مِن دِحْيةَ بعْدَ أن أعْطاها له، أنَّ دِحْيةَ أرجَعَها للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برِضاهُ، وقيل في بعضِ الرِّواياتِ: أنَّها وقعَتْ في سَهمِ دِحْيةَ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اشتراها منه، وقيل فيها غيرُ ذلك مِن الأوجُهِ المحتمِلةِ الَّتي تَليقُ بذاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِصمتِه.وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الوَليمةِ في العُرسِ بما تيسَّرَ.