باب: عقوبة مانع الزكاة
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا بهز بن حكيم، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون، لا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها، وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم منها شيء»
الزَّكاةُ رُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، وهي قَرينةُ الصَّلاةِ؛ فعلى كلِّ مسلِمٍ بلَغَ مالُه النِّصابَ، واستكمَل شُروطَ الزَّكاةِ أن يُخرِجَها للهِ سبحانه وتعالى طيِّبةً بها نفْسُه؛ فالمالُ مالُ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعضَ أحكامِ زَكاةِ الإبل، فيقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "في كلِّ إبِلٍ سائمةٍ"، أي: الَّتي تَرْعى ولا تُعلَفُ، "مِن كلِّ أربَعين"، أي: مِن الإبِلِ، "ابنةُ لَبونٍ"، وهي الأُنثى مِن الإبلِ ما استَكمَلَت سنتين ودخَلَت في الثَّالثةِ؛ سُمِّيَت بذلك لأنَّ أمَّهما آنَ لها أن تَلِدَ فتَصيرَ لَبونًا، أي: ذاتَ لَبنٍ لأُخْرى غالِبًا، وهذا إذا زاد عددُ الإبلِ على مِئةٍ وعِشْرين، فإنَّ مِئةً وعِشرينَ مِن الإبِلِ فيها حِقَّتانِ، وليس فيها ابنَةُ لَبونٍ مع أنَّها ثلاثُ أربَعيناتٍ، وقيل: إذا زاد عدَدُ الإبِلِ على مِئةٍ وخَمسين، "لا تُفرَّقُ إبِلٌ عن حِسابِها"، أي: لا يُفرَّقُ المجتمِعُ من الإبِلِ، فتتغيَّرُ زكاةُ الإبلِ عن حِسابِها، أو أنْ تُحسَبَ كلُّ الإبلِ وتَدخُلَ في الأربَعين، ولا يُترَكَ الهزالُ منها أو السَّمينُ، ولا الصَّغيرُ ولا الكبيرُ
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن أعطاها"، أي: الزَّكاةَ، "مُؤتَجِرًا"، أي: طالِبًا للأجرِ، " له أجْرُها"، أي: له أجرُ الزَّكاةِ بنِيَّتِه وبفِعلِه مِن اللهِ تعالى، "ومَن منَعها"، أي: منَع أداءِ الزَّكاةِ فلم يُعطِها لمستحِقِّيها، "فإنَّا آخِذوها"، أي: الزَّكاةِ، "وشَطْرَ إبِلِه"، أي: فوْقَ ذلك سنَأخُذُ نِصفَ إبِلِه؛ لِمَنعِه، وقيل: إنَّ الحقَّ مستوفًى مِنه غيرُ متروكٍ وإنْ هلَكَتْ نِصفُ إبِلِه، وقيل: إنَّ ذلك كان في صدْرِ الإسلامِ ثمَّ نُسِخ، "عَزْمةً مِن عزَماتِ ربِّنا"، أي: حقًّا مِن حُقوقِه، وواجبًا مِن واجباتِه، "لا يَحِلُّ لآلِ محمَّدٍ منها شيءٌ"، أي: مِن الزَّكاةِ، فلا يَأخُذُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولا آلُ بيتِه شيئًا مِن الزَّكاةِ ولا الصَّدقاتِ، وقيل: يَأخُذون مِن الصَّدقاتِ دونَ الزَّكاةِ، وآلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذين تَحرُمُ عليهم الصدقةُ هم: ذُريتُه، وأزواجُه، وآلُ عليٍّ، وآلُ عَقيل، وآل جَعفرٍ، وآل عبَّاسٍ، كما رَوَى مُسلِمٌ ذلك مُفسَّرًا عن زيدِ بنِ أرقمَ رضِيَ اللهُ عنه، وعِندَ الإمامِ مُسلِمٍ أيضًا: ما يُفيدُ أنَّ كلَّ بَني هاشم وبني المُطَّلبِ مِن آل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتَحرُم عليهم الصدقةُ أيضًا
وفي الحديثِ: أنَّ الزَّكاةَ مِن حُقوقِ اللهِ سبحانه وتعالى وحُقوقِ الخَلقِ، وأنَّ على وليِّ الأمرِ أن يَأخُذَ الزَّكاةَ مِن مانِعها ولو قَهرًا، مع مُعاقبةِ المُمتنِعِ
وفيه: بيانُ نِصابِ الإبِلِ