باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان 2
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف، فلم ينل منهم شيئا؛ قال:
«إنا قافلون إن شاء الله»، فثقل عليهم، وقالوا: نذهب ولا نفتحه! وقال مرة: "نقفل" (وفي رواية: فقال ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لا نبرح أو نفتحها 7/ 93) , فقال: [النبي - صلى الله عليه وسلم: "فـ] اغدوا على القتال» , [قال:] فغدوا, فأصابهم جراح (وفي رواية: فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات) , فقال: قافلون غدا إن شاء الله"، فأعجبهم (وفي رواية: فسكتوا)، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقال سفيان مرة: فتبسم.
الشُّورى مَبدأٌ إسْلاميٌّ أصيلٌ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا ما يُشاوِرُ أصْحابَه رِضْوانُ اللهِ عليهم في أُمورِ الدُّنْيا، ويَنزِلُ على رَأْيِهم.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا حاصَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهلَ الطَّائفِ -وكان هذا في شوَّالٍ مِن العامِ الثَّامِنِ الهِجْريِّ- بعْدَ هَزيمةِ هَوازِنَ، والطَّائفُ مَدينةٌ تقَعُ في الغَربِ مِن شِبهِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، وهي اليومَ تابِعةٌ لمِنطَقةِ مكَّةَ المُكرَّمةِ على جانِبَيْ وادي «وَجٍّ»، وتَبعُدُ عن مَدينةِ مكَّةَ المُكرَّمةِ 75 كم تَقْريبًا، وقدْ لجأَ إليها فُلولُ هَوازِنَ وثَقيفَ، واجتمَعَ بهما شَوكَتُهم ورُماتُهم، وكان لهم حِصنٌ مَنيعٌ، فلم يَستَطعِ المُسلِمونَ فَتحَ الحِصْنِ، ولم يَنالوا منهم شَيئًا، وذكَرَ أنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه في حَديثِه عندَ مُسلِمٍ أنَّ مدَّةَ حِصارِهم كانت أربَعينَ يومًا، وعندَ أهلِ السِّيَرِ اختِلافٌ؛ قيلَ: عِشرينَ يومًا، وقيلَ غيرُ ذلك، فلمَّا رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صُعوبةَ القِتالِ، قال لأصْحابِه على جِهةِ الرِّفقِ بهم والشَّفَقةِ عليهم: «إنَّا قافِلونَ غدًا»، أي: راجِعونَ غدًا، فثَقُلَ عليهم وعزَّ على أنفُسِهم، وظَنُّوا أنَّ هذا العَرْضَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على جِهةِ المَشورةِ، فقالوا مُتعجِّبِين: نَعودُ إلى الدِّيارِ دونَ فَتحِ الحِصنِ! وحَزِنوا لذلك، فلمَّا رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم ذلك أمَرَهم بالقِتالِ، فقال لهم: «اغْدُوا على القِتالِ» صَباحَ اليَومِ التَّالي، فقاتَلوا كما أرادوا، فلمْ يُفتَحْ لهم، وأُصيبوا بالجِراحِ؛ لأنَّ الأعْداءَ رَمَوْا عليهم مِن أعْلى السُّورِ، فكانوا يَنالونَ منهم بسِهامِهم، ولا تَصِلُ سِهامُ المُسلِمينَ إلى مَن فوقَ السُّورِ، فلمَّا رأَوْا ذلك، تَبيَّنَ لهم تَصويبُ الرُّجوعِ، فلمَّا أعادَ عليهمُ القولَ بالرُّجوعِ أعجَبَهم حينَئذٍ، فضحِكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَبسُّمًا حينَ وافَقَهم ذلك، فتَعَجَّبَ بضَحِكِه منِ اختِلافِ قولِهم بيْن أمسِ واليومِ للحالَينِ المُختَلِفَينِ.
وفي الحَديثِ: رَحْمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَأفَتُه بأصْحابِه، وحِرصُه عليهم.
وفيه: مَشْروعيَّةُ مُحاصَرةِ العَدوِّ، والتَّضْييقِ عليهم.
وفيه: مُشاوَرةُ الإمامِ أصْحابَه، وعَرضُه عليهم ما في نفْسِه.
وفيه: أنَّ مُخالَفةَ رَأيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها شرٌّ على المُسلِمينَ.