باب: غزوة حنين 3
بطاقات دعوية
عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض
بعْدَ أنْ أكرَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ نَبيَّه بفَتحِ مكَّةَ في العامِ الثَّامنِ مِن الهجرةِ، بَلَغَهم أنَّ مالكَ بنَ عَوفٍ النَّضريَّ جمَعَ القبائلَ الكافرةَ مِن هَوازن وثَقيفَ وتَجمَّعوا في وادي حُنَينٍ لمُحارَبةِ المسْلِمين، فنَدَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه وجَيْشَه للتَّحرُّكِ نحْوَ تَجمُّعاتِهم في حُنَينٍ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي سَلَمةُ بنُ الأكوعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم غزَوُا الكفَّارَ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ حُنَينٍ، وهو وادٍ بيْن مكَّةَ والطَّائفِ وَراءَ عرَفاتٍ، فلمَّا واجَهوا العدوَّ وكانوا في مُقابَلتَه، تَقدَّمَ سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه على جَيشِ المسْلِمين وسَبَقهم إلى جِهةِ العدوِّ، واعتَلَى «ثنيَّةً» وهي الطَّريقُ في الجبلِ، فاسْتقبَله رجلٌ مِن العدوِّ، فرَماهُ سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه بسَهمٍ، فتَوارى هذا الرَّجلُ واختَفَى واستَتَر عن نَظرِ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنه، فلم يَرَه بعْدَ أنْ ضَرَبه بالسَّهمِ، فلم يَعلَمْ ما صنَع: هلْ مات أمْ أصابَه فقطْ؟ ثمَّ نَظَر سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه إلى العدوِّ ليَعرِفَ ماذا يَصنَعون، فإذا هُم قدْ طلَعوا وصَعِدوا على الجبلِ مِن طَريقٍ آخَرَ غيرِ الَّذي هو فيه، فالتقَوْا وصحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوقَعَ بيْنهم القتالُ، فأدْبَرَ وانهَزَمَ بعضُ صحابةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقال سَلَمةُ عن نَفسِه: «وَأَرْجِعُ منهزمًا» أي: كان هو مِن جُملةِ مَن رَجَع وأدْبَرَ عن العدوِّ، وكان عليه مِن الثِّيابِ «بُردتانِ»، أي: رِداءانِ، جَعَل أحدَهما إزارًا يُغطِّي به النِّصفَ الأسفلَ مِن الجسَدِ، والآخَرَ يُغطِّي الجزءُ العُلويَّ مِن الجسدِ، فانحَلَّ رِباطُ الإزارِ، فجمَعَ البُرْدتينِ جميعًا بيَدِه على عاتقِه، أو أمسَكَ الإزارَ والرِّداءَ بيَدٍ واحدةٍ؛ يُشيرُ إلى سُرعةِ فِرارِه، فلمَّا كان على تلكَ الحالِ مَرَّ سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راكبًا على بَغلتِه الشَّهباءِ، أي: البيضاءِ، ثابتًا لا يَفِرُّ مع الفارِّين، بلْ جَعَل يُقبِلُ على العدوِّ، فلمَّا رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنه وهو يُدبِرُ مُسرِعًا، قال: «لقدْ رأى ابنُ الأكوعِ فزَعًا»، أي: خوفًا شديدًا، فلمَّا اقتَرَبَ العدوُّ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَزَل رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن البَغلةِ، ثمَّ قَبَض بكَفِّه قَبضةً مِن تُرابٍ مِن الأرضِ، ثمَّ استقبَل بذلكَ التُّرابِ وُجوهَ العدوِّ، ودَعا عليهم وقال: «شاهَتِ الوجوهُ»، أي: تغيَّرَتْ وقبُحَتْ بِردِّها خائبةً مُنهزِمةً، فأخبَرَ سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه ما بَقِي منهم أحدٌ، إلَّا ملَأ عَينَيْه تُرابٌ بتلك القبضةِ، فولَّوْا ورَجَعوا مُدبِرينَ بعْدَ أنِ استَنفَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَيْشَ المسْلِمين وأقْبَلوا عليهم مرَّةً أُخرى، فهَزَمهم اللهُ وفرَّقَهم وشَتَّتَهم، ونصَر رسولَه، واستجاب دُعاءَه، وجمَع له بيْن عزِّ الجاهِ، وحُسنِ الحالِ، وغنيمةِ المالِ، كما قال تعالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25، 26]، وبعْدَ نِهايةِ المعركةِ قسَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غنائمَهم وأموالَهُم الَّتي أخَذَها المسْلِمون في الحربِ.
وفي الحديثِ: شجاعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.