باب غزوة خيبر 14
بطاقات دعوية
يَصْطَفي اللهُ سُبحانَه وتعالَى مِن خَلقِه مَن يَشاءُ؛ ليَقذِفَ في قَلبِه مِن أنْوارِ النُّبوَّةِ والهُدى، ويَفيضَ عليه مِن العَملِ والإلْهامِ ما يَشاءُ سُبحانَه، وكان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مِن هؤلاء المُلهَمينَ الَّذين يَجْري الصَّوابُ على ألْسِنَتِهم بفَضلٍ وتَوْفيقٍ مِن اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي التَّابِعيُّ أسْلَمُ مَوْلى عُمَرَ بنِ الخطَّاب أنَّه سَمِعَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه يُقسِمُ باللهِ الَّذي نَفْسُه مِلكٌ له -وهو قَسَمٌ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقسِمُ به كَثيرًا- على أنَّه لَولا خَوفُه مِن أنْ يَترُكَ آخِرَ النَّاسِ -والمُرادُ مَن يَأْتي خَلْفَهم مِن أجْيالِ المُسلِمينَ- «بَبَّانًا ليس لهم شَيءٌ»، أي: فُقَراءَ مُعْدِمينَ؛ وذلك لأنَّ مَن سبَقَهم قدْ تَملَّكَ كلَّ ما فتَحَه المُسلِمونَ، ولم يَبْقَ لهم شَيءٌ، فيُخبِرُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَولا ذلك، لَقَسَّمَها بيْنَهم كما قسَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبرَ على الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، وهي قَرْيةٌ كانت يَسكُنُها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحوَ 173 كم تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقد غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ.
قال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: «ولكنِّي أترُكُها خِزانةً لهم يَقتَسِمونَها»، أي: يَقتَسِمونَ خَراجَها، بحيث يَنتَفِعونَ بفَوائدِها معَ بَقاءِ أصْلِها لهم، وغَرَضُه رَضيَ اللهُ عنه: أنَّه لا يُقسِّمُها على الغانِمينَ كما قسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَنائمَ خَيْبرَ، وفعَلَ عُمَرُ هذا نَظرًا إلى المَصْلَحةِ العامَّةِ للمُسلِمينَ؛ وكان ذلك بعْدَ استِرْضائِه لهمْ، كما فعَلَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه بأرضِ العِراقِ.
وفي الحَديثِ: مُراعاةُ الإمامِ مَصالحَ النَّاسِ، وتَحْقيقُ التَّوازُنِ بيْن المَصالِحِ العامَّةِ والخاصَّةِ.
وفيه: فِقهُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه وبَصيرَتُه.