باب غزوة موتة من أرض الشأم 3
بطاقات دعوية
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أغمى على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكى: واجبلاه، واكذا، واكذا، تعدد عليه, فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: آنت كذلك (139)؟! [فلما مات؛ لم تبك عليه].
المَوتُ قَدرٌ مِن أقْدارِ اللهِ عزَّ وجلَّ، كتَبَه سُبحانَه على جَميعِ المَخْلوقاتِ، وواجبُ المُسلِمِ أنْ يَتلقَّى أقْدارَ اللهِ بالصَّبرِ والاحْتِسابِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النُّعْمانُ بنُ بَشيرٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه أُغْميَ على عبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه، أي: فقَدَ وَعْيَه لمَرضٍ كان به، فجعَلَتْ أُخْتُه عَمْرةُ رَضيَ اللهُ عنها -وهي والِدةُ النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رَضيَ اللهُ عنهما- تَبْكي، وتَندُبُ قائلةً: «وا جَبَلاهْ، وا كذا، وا كذا!» تَذكُرُ مَحاسِنَه ومَآثِرَه، «تُعدِّدُ عليه»، أي: تَنوحُ وتَندُبُ حُزنًا عليه. فلمَّا أفاقَ عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه مِن إغْمائِه ذكَرَ لأُختِه أنَّها ما قالت شيئًا حالَ نَوحِها، وتَعْدادِها عليه، إلَّا قالت له المَلائكةُ: «آنتَ كذلك؟» أي: يَستَنكِرونَ عليه ما يُقالُ فيه، كأنَّهم يَزْجُرونَه لنَوْحِها عليه، إشارةً إلى إكْبارِ ما يُقالُ فيه عندَ التَّعْدادِ. وزاد البخاريُّ في رِوايةٍ: «فلمَّا مات لم تَبْكِ عليه».
وحمَلَ طائفةٌ مِن العُلَماءِ ذلك على مَن أوْصَى به، أو كانت عادتُهم كذلك، ولم يَنْهَهم، فلمْ يُوصِ قبْلَ مَوتِه بألَّا يُحْدِثوا قولًا ولا فِعلًا مُنكَرًا، وهذا كان مَشْهورًا عندَ العرَبِ؛ لأنَّه إذا غلَبَ على ظنِّه فِعلُهم له، ولم يُوصِهم بتَرْكِه؛ فقد وَصَّى به، وصار كمَن ترَكَ النَّهيَ عنِ المُنكَرِ معَ القُدرةِ عليه، فأمَّا إذا أوْصاهم بتَرْكِه، فخالَفوه؛ فاللهُ أكرَمُ مِن أنْ يُعذِّبَه بذلك.
وفي الحَديثِ: الزَّجرُ والتَّحذيرُ منَ اللَّطْمِ والنِّياحةِ على الميِّتِ.