باب فضل البكاء من خشية الله تعالى و شوقاً إليه 2
بطاقات دعوية
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط ، فقال : (( لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا )) قال : فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم ، ولهم خنين . متفق عليه . وسبق بيانه في باب الخوف .
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل صدق نبوته إخباره عن الغيبيات التي يطلعه الله عليها، وقد يكون ذلك الغيب فيه نعيم أو عذاب؛ تحذيرا لأمته، وحثا لهم على عمل الخير، وترك كل شر
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فيهم خطبة لم يسمع أنس رضي الله عنه مثلها قط. وفي رواية في الصحيحين: «خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فقام على المنبر، فذكر الساعة، فذكر أن فيها أمورا عظاما»، فقال: «لو تعلمون ما أعلم» يعني: من عظمة الله وشدة عقابه لأهل الجرائم، والأهوال التي تقع عند النزع والموت، وفي القبر، ويوم القيامة؛ «لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» يعني: لقل ضحككم ولزاد بكاؤكم من هول ما تعلمون، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف. «فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين»، أي: صوت مرتفع من الأنف بالبكاء مع غنة، وهو دون الانتحاب. فقال رجل -وهو عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، أو قيس بن حذافة، وقيل غير ذلك-: «من أبي؟» وكان يطعن في نسبه. فقال صلى الله عليه وسلم: «أبوك فلان». يعني: حذافة. فنزلت الآية من سورة المائدة: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإيمان، لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بها، هذه الأشياء إن تبد لكم وتظهر تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها؛ لما يترتب عليها من إحراجكم، ومن المشقة عليكم، ومن الفضيحة لبعضكم. وهذا النهي إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتغير فيه الأحكام، أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على الإنسان أن يسأل عما أشكل عليه في أمور دينه؛ لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43]
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس خشية لربه؛ لأن خشية الله إنما تكون على مقدار العلم به، ولما لم يعلم أحد كعلم النبي صلى الله عليه وسلم، لم يخش كخشيته
وفيه: فضل الصحابة وبكاؤهم عند موعظة النبي صلى الله عليه وسلم لهم
وفيه: النهي عن كثرة السؤال وتكلف ما لا يعني