باب فضل صلاة الجماعة 1
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون "
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصُ ويَحُضُّ أصحابَه على كُلِّ عَمَلٍ يَكونُ فيه خَيرٌ ونَفعٌ لهم؛ لِمَا في تلك الأعمالِ مِن مَزيدِ فَضلٍ وأجْرٍ
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ لنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المَلائِكةَ تَتَناوَبُ على حِراسةِ البَشرِ، فطائِفةٌ تَحرُسُهم لَيلًا، وطائِفةٌ أُخرى تَحرُسُهم نَهارًا، ثم تَجتَمِعُ مَلائِكةُ النَّهارِ بمَلائِكةِ اللَّيلِ في وَقتَيْنِ؛ الأوَّلُ: في صَلاةِ الفَجرِ، حيثُ يَنزِلُ مَلائِكةُ النَّهارِ عِندَ أوَّلِ الصَّلاةِ، وما زالَ مَلائِكةُ اللَّيلِ مَوجودينَ فيَلتَقونَ بهم، ويَجتَمِعُ مَلائِكةُ اللَّيلِ بمَلائِكةِ النَّهارِ في صَلاةِ العَصرِ، وهو الوَقتُ الثاني، ثمَّ تَصعَدُ مَلائِكةُ اللَّيلِ بَعدَ صَلاةِ الفَجرِ، فيَسألُهمُ الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ -وهو أعلَمُ بهم-: كَيفَ تَرَكتُم عِبادي؟ وهو في غِنًى عَن سُؤالِهم هذا؛ لِأنَّه عَليمٌ بِهم، وإنَّما يَسألُهم عن ذلك في المَلأِ الأعلى؛ تَنويهًا بشَأنِ بَني آدَمَ، وبَيانًا لِفَضلِهم، ولِيُباهيَ بهمُ المَلائِكةَ، فيَقولونَ: تَرَكناهم وهُم يُصَلُّونَ صَلاةَ الصُّبحِ، وأتَيْناهم وهُم يُصَلُّونَ صَلاةَ العَصرِ، فهم في صَلاةٍ دائِمةٍ. وكذلك يَسْألُ عَزَّ وجَلَّ مَلائِكةَ النَّهارِ، فيُجيبونَ بمِثلِ ما أجابَ به مَلائِكةُ اللَّيلِ
وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّلاةَ أعلى العِباداتِ؛ لِأنَّها عليها وَقَعَ السُّؤالُ والجَوابُ
وفيه: التَّنبيهُ على أنَّ الفَجرَ والعَصرَ مِن أعظَمِ الصَّلَواتِ.
وفيه: الدَّلالةُ على أنَّ اللهَ تعالَى يَتكَلَّمُ مع مَلائِكَتِه كما يَشاءُ، دُونَ تَشبيهٍ، أو تَعطيلٍ، أو تَأويلٍ