باب فضل من تعار من الليل فصلى
بطاقات دعوية
عن الهيثم بن أبي سِنان أنه سمعَ أبا هريرةَ رضي الله عنه وَهُوَ يَقْصُصُ فِى قَصَصِهِ (وهو يذكُرُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أخاً لكُم لا يقولُ الرَّفَثَ- يعني بذلكَ عبدَ الله بنَ رَواحَة-:
الشِّعرُ نَوعٌ مِن الكلامِ المُنمَّقِ الموزونِ المُقَفَّى يُؤثِّرُ في النُّفوسِ، وحُكْمُه بحسَبِ ما فيه مِن المعاني؛ فقد يكونُ شرًّا وسُوءًا فيُنهَى عنه، وقدْ يكونُ حِكْمةً وأخلاقًا فيُباحُ أو يُؤمَرُ به.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التابعيُّ الهيثمُ بنُ أبي سِنانٍ، أنَّه سَمِعَ الصَّحابيَّ أبا هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَذكُرُ في جُملةِ مَواعظِه التي كان يُذكِّرُ بها أصحابَه، فذَكَرَ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال عن عَبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه في أبياتٍ قالَهَا مادحًا بها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ أخًا لكُمْ لا يقولُ الرَّفَثَ»، فنفَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ابنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه -بقولِه هذه الأبياتَ- قَولَ الرَّفَثِ، وإذا لم تكُنْ هذه الأبياتُ مِن الرَّفثِ فهي في حَيِّزِ الحقِّ، والحقُّ مُرَغَّبٌ فيه، مَأجورٌ عليه صاحبُه. والأبياتُ الَّتي مدَحَ فيها عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هي قولُه:
«وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كِتَابَه ** إذَا انْشَقَّ مَعروفٌ مِنَ الفَجرِ ساطِعُ»
وانشقَّ، أي: ظَهَرَ، والمعنى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتْلو كِتابَ اللهِ وَقتَ انشقاقِ الوَقتِ الساطعِ مِن الفَجرِ.
«أَرانا الهُدَى بعْدَ العمَى فقُلوبُنا ** به مُوقِناتٌ أنَّ ما قال واقعُ»
يَقصِدُ بالعَمى الضَّلالةَ، والمعنى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرانا الهُدى بعْدَ الضَّلالةِ، فقُلوبُنا على يَقينٍ بأنَّ ما قالَهُ مِن المُغيَّباتِ واقعٌ لا شكَّ في ذلك؛ فنحن نُؤمِنُ به ونُصدِّقُه في كُلِّ ما يقولُه ويُخبِرُ به.
«يَبيتُ يُجافي جَنْبَه عن فِراشِه ** إذا استَثْقَلَتْ بالمشركينَ المَضاجعُ»
«يُجافي جَنْبَه»، أي: يُباعِدُ جَنْبَه، والمَضاجعُ: الفُرشُ وأماكنُ النَّومِ، والمرادُ: قِيامُه لصَلاةِ اللَّيلِ وأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَبيتُ لَيلَه قائمًا للهِ عزَّ وجلَّ، في الوقتِ الذي يَنامُ فيه المشرِكون على مَضاجِعِهم.
ولا يتَعارَضُ مَدْحُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شِعرَ ابنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه، مع ما ورَدَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن النَّهيِ عن الشِّعرِ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «لَأنْ يَمتلِئَ جَوفُ رجُلٍ قَيحًا يَرِيهِ خَيرٌ مِن أنْ يَمتلِئَ شِعرًا»؛ فهذا الحديثُ وأمثالُه لا يُرادُ به كلُّ الشِّعرِ، وإنَّما يُرادُ به الشِّعرُ الذي فيه الباطلُ والكذِبُ، أو السَّبُّ، أو المُفاخَرةُ، كما هو غالِبُ شِعرِ الجاهليِّينَ، وقد كان حَسَّانُ بنُ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه يُنشِدُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشِّعرَ بالمسجدِ.
وفي الحديثِ: مَنقبةٌ وفضْلٌ لعبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: أنَّ الحَسَنَ مِن الشِّعرِ مَحمودٌ ومَقبولٌ شَرْعًا.
وفيه: بيانُ اجتِهادِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العِبادةِ وقِيامِ اللَّيلِ.