باب فى أكل الضب
حدثنا القعنبى عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده فقال بعض النسوة اللاتى فى بيت ميمونة أخبروا النبى -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه فقالوا هو ضب. فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده. قال فقلت أحرام هو يا رسول الله قال « لا ولكنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه ». قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر.
أحل الله سبحانه الطيبات للناس وحرم عليهم الخبائث، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاف أكل الضب، ولكنه لم يحرمه
وفي هذا الحديث يقول أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري: إن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال له: سيف الله، وهو اسم له سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، وهي خالة خالد بن الوليد وخالة ابن عباس، «فوجد عندها ضبا» وهو حيوان من الزواحف، ويكثر في الصحاري العربية يأكله العرب «محنوذا»، أي: مشويا، قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، وهي أحد أقاليم شبه الجزيرة العربية التاريخية، وأكبرها مساحة، وتشكل اليوم منطقة الرياض، ومنطقة القصيم، ومنطقة حائل، والأجزاء الشرقية لمنطقة مكة المكرمة، ومناطق نجد الشرقية؛ مثل هضبة الصمان، فقدمت ميمونة رضي الله عنها الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، «وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له»، يعني: يذكر له نوع الطعام، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، يريد أن يأخذ منه ويأكل، فأمرت امرأة من الحاضرين -قيل: هي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها- أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأكل، وقالت: هو الضب يا رسول الله، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل منه، ورجع بيده، فظن خالد رضي الله عنه أنه محرم، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امتناعه عن أكل الضب، وهل حرام أكله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه»، يعني: لم يكن معروفا في مكة وما حولها فأجد نفسي تكرهه، ولا تتوق إليه
فقال خالد بعد أن تأكد من أنه حلال: «فاجتررته» أي: سحبته، «فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي». وعلى هذا فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب؛ لكراهية نفسه له لا كراهية الشرع؛ فدل على أنه ما تركه تدينا، بل لنفرة طبعه منه، ولو كان الضب حراما ما ترك أحدا من أصحابه يأكله
وفي الحديث: مشروعية أكل الضب، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
وفيه: أن ما عافه النبي صلى الله عليه وسلم وأنفت منه نفسه من أنواع الطعام بسبب عدم اعتياده عليه؛ ليس محرما
وفيه: بيان أدب النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام، وأنه كان إذا كره طعاما تركه ولم يعبه