باب فى التشديد فى المزارعة

باب فى التشديد فى المزارعة

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار أن رافع بن خديج قال كنا نخابر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر كان لنا نافعا وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع. قال قلنا وما ذاك قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى ».

جاء الإسلام لينظم العلاقات والمعاملات بين الناس، وجعل هذه العلاقات قائمة على مبدأ التعاون والألفة والمحبة والمودة والبعد عن النزاع والشقاق، والضرر والظلم والخداع
وفي هذا الحديث يقول رافع بن خديج رضي الله عنه: "كنا نخابر" من المخابرة، وهي: العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها، ويكون البذر من صاحب العمل، "على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: في زمانه، "فذكر" رافع أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا"، أي: المخابرة، ثم قال: "وطواعية الله ورسوله"، أي: طاعة الله ورسوله "أنفع لنا"، أي: أنفع لنا في الدنيا والآخرة من أي أمر نظن فيه النفع لنا كالمخابرة، "وأنفع"، كررها للتأكيد واليقين
ثم قال رافع: "قلنا: وما ذاك"، أي: ما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، "قال" بعض العمومة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها" هو بنفسه، ويتكفل بها وبحرثها وبذرها وخدمتها "أو فليزرعها أخاه"، أي: يعطها أخاه للزراعة من غير أن يأخذ عليها أجرا، "ولا يكاريها"، أي: لا يعطيها أحدا على الكراء وهو الإجارة، "بثلث ولا بربع"، أي: بثلث ما يخرج منها ولا بربعها، "ولا بطعام مسمى"، أي: لا يكريها بشيء من جميع ما يقع عليه اسم طعام، سواء أنبتته الأرض أم لا
وقد ورد حديث رافع في النهي عن كراء الأرض بالمخابرة والمزارعة بألفاظ مختلفة، وبتأمل هذه الألفاظ والروايات وجمع طرقها، واعتبار بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسرها، ومطلقها على مقيدها- فإنها تدل على أن الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم في حديثه كان أمرا بين الفساد، وهي المزارعة الظالمة الجائرة؛ فإن رافعا نفسه فسرها في رواية فقال: "كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه، فربما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه"، وقال أيضا: "ولم يكن لهم كراء إلا هذا؛ فلذلك زجر عنه، وأما بشيء معلوم مضمون، فلا بأس"
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل خيبر على أن يزرعوا الأرض ولهم النصف وللنبي النصف، وظل العمل به إلى موت النبي عليه الصلاة والسلام، وبه عمل الخلفاء الراشدون من بعده؛ فتبين أن النهي ليس عاما، وإنما النهي عن شيء معين من الظلم في المعاملة
وأيضا كان طاوس يزارع، ويروي عن ابن عباس تفسير حديث رافع هذا، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها، ولكن قال: "لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما"، وقد أخبر سعيد بن المسيب أن الكراء بالدرهم والدينار لا شيء فيها
وفي الحديث: حرص الصحابة على الامتناع عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيه منفعة لهم في فعله