باب فى الجاسوس الذمى
حدثنا محمد بن بشار حدثنى محمد بن محبب أبو همام الدلال حدثنا سفيان بن سعيد عن أبى إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتله وكان عينا لأبى سفيان وكان حليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة من الأنصار فقال إنى مسلم. فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إنه يقول إنى مسلم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان ».
مِن عَظمةِ الإسلامِ ورحمتِه أنَّ مَن أسْلَمَ تَسقُط الأحكامُ التي كانتْ قد صدَرَتْ عليه حالَ كُفرِه، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ فُراتُ بنُ حيَّانَ رَضِي اللهُ عَنْه: "أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أمَر بقَتْلِه"، أي: قبلَ أن يُسلِمَ، وذلك أنَّه "كان عَينًا"، أي: جاسوسًا على المُسلِمين "لأبي سُفيانَ"، وهو ابنُ حربٍ، وكان مِن زُعماءِ قُريشٍ آنَذاك قبلَ إسلامِه، وكان ذلك يومَ الخندَقِ، "وكان حَليفًا لرَجُلٍ مِن الأنصارِ"، أي: في ذِمَّةِ رجُلٍ مِن الأنصارِ، وهذا إشارةٌ إلى سبَبِ وُجودِه بالمدينةِ دونَ أن يَنالَ مِنه أحدٌ، "فمَرَّ بحَلْقةٍ"، أي: مُجتمَعٍ مِنَ الأنصارِ، "فقال: إنِّي مُسلِمٌ، فقال رجلٌ مِن الأنصارِ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه يَقولُ: إنِّي مُسلِمٌ"، أي: يَزعُم أنَّه مسلِمٌ ماكِرًا بها، ولم يَقُلْها صِدقًا، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: إنَّ مِنكُم رِجالًا نَكِلُهم"، أي: نَجعَلُ ذِمَّتَهم، "إلى إيمانِهم"، أي: إلى ما يَقولون وما يُظهِرون؛ ما داموا لَم يَفعَلوا ما يُكذِّبُ قولَهم، "مِنْهم"، أي: ومِن هؤلاءِ الرِّجالِ: "فُراتُ بنُ حيَّانَ"، فمَنَعه الإسلامُ وحال بَينَه وبينَ أنْ يُقتَلَ
وفي الحديثِ: الحُكمُ بالظاهرِ؛ وعَدمُ البحثِ عمَّا سِوى ذلك؛ فإنَّ الظاهرَ للنَّاسِ والباطنَ عِلمُه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ
وفيه: أنَّ الذميَّ إذا صار جاسوسًا للكفَّارِ فإنَّه يكونُ قد نقَضَ عهدَه بذلِك، ويَحِلُّ قَتْلُه