باب فى المرأة تحج بغير محرم
حدثنا عثمان بن أبى شيبة وهناد أن أبا معاوية ووكيعا حدثاهم عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ».
• قوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر): خص المؤمنة بالذكر؛ لأن صاحب الإيمان هو الذي ينتفع بخطاب الشارع، وينقاد له.
• قوله: (مسيرة يوم وليلة)، وفي حديث ابن عمر: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)، وفي حديث أبي سعيد: (لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم)، وفي حديث ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: (اخرُج معها).
• قال الحافظ: وقد عمِل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات
• وقال ابن المنير: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين، ويُحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك، وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد، فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره، ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر
• قوله: (إلا ومعها ذو محرم)؛ أي: زوجها، أو مَن تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح
• قال الحافظ: (واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج
• قال أبو الطيب الطبري: الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل، يجب بها على المرأة، فإذا أرادت أن تؤديه، فلا يجوز لها إلا مع محرم أو زوج، أو نسوة ثِقات
• قال الحافظ: ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أُمِن الطريق - أن عمر رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجَّها، فبعث معهنَّ عثمان وعبدالرحمن بن عوف.
• قال الحافظ: لاتفاق عمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهنَّ في ذلك، ومَن أَبَى ذلك من أمهات المؤمنين، فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم، لا من جهة توقُّف السفر على المحرم؛ قال: من المستظرف أن المشهور مِن مذهب مَن لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي، ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور، وكان المناسب لهذا قول هذا، وبالعكس
قوله: "ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"، فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا: هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات، والصحيح الجواز، لضَعف التهمة به، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا
• قال ابن تيمية: (وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم، بل عليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك، حتى إن كثيرًا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج، قال: وتحج كل امرأة آمنةٍ مع عدم مَحرم
• قال أبو العباس: وهذا متوجِّه في سفر كل طاعة، وأما إماء المرأة يسافرن معها، ولا يفتقرن إلى محرم؛ لأنه لا محرم لهنَّ في العادة الغالبة، فأما عتقاؤها من الإماء، فقد بيَّض لذلك أبو العباس، قال بعض المتأخرين: يتوجه احتمال أنهنَّ كالإماء على ما قال؛ إذ لم يكن لهن محرم، واحتمال عكسه لانقطاع التبعية وملك أنفسهنَّ بالعتق بخلاف الإماء، وصحح أبو العباس في "الفتاوى المصرية": أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع زوج أو ذي محرم، والمحرم زوج المرأة، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ، ولو كان النسب وطء شبهةٍ، ولا زنًا، وهو قول أكثر العلماء، واختاره ابن عقيل، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في التحريم لا المحرمية اتفاقًا، والله أعلم